تونس (الشروق) عادل العوني هناك أزمة في السلطة التنفيذية انجرت عن تصادم بين السبسي والشاهد لكن الخطورة في الانعكاسات. فالخلاف الشخصي تحول إلى صراع بين مؤسستي رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية والأخطر أن الدولة كلها باتت مهددة؟. من تدمير ما تبقى من حزب النداء إلى إنهاء تجربة التوافق، إلى بث البلبلة داخل الشريك السابق حركة النهضة، إلى تأزيم المشهد السياسي إلى تطاحن قطبي السلطة التنفيذية، إلى تدمير الدولة. نبدأ بالانعكاس الأول للصراع بين السبسي والشاهد، فهو في الأساس صراع داخلي بين يوسف وحافظ حول التمكن من الحزب في مرحلة أولى والانطلاق منه نحو السلطة الوطنية (رئاسة الجمهورية) في مرحلة ثانية لكن الصراع توسع ليشمل مؤسس الحزب الذي وقف إلى جانب ابنه فكانت النتيجة انقسام من تبقى في حزب النداء بين تابع للسبسي وموال للشاهد. كتلة النداء تتراجع إلى المرتبة الثالثة بعد أن كانت تتسيد المشهد النيابي، ومن غير المستبعد أن تتفكك مثلها مثل حزبها الفائز بآخر انتخابات تشريعية جراء صراع داخلي بين أبنائه. تضرّر النهضة النتيجة المباشرة للصراع الأخير بين آل السبسي وابن حزبهما الشاهد هو ترنح كتلتهم النيابية لكن النهضة لا تبدو مستفيدة من هذه النتيجة. فهي لا تستطيع أن تحسم أمرها بالوقوف إلى جانب الشاهد المتعطش (منطقيا ودون تصريح منه) نحو السلطة ولا بالوقوف ضده نصرة للباجي فكانت النتيجة قطع توافقها مع قايد السبسي وظهور خلافات داخلية حادة حول الموقف من الأزمة ترجمتها رسالة الامتعاض التي وجهها شق من الحركة بقيادة لطفي زيتون إلى راشد الغنوشي قبل أيام. لا نتوقع أن تنقسم حركة النهضة وأن يصيبها ما أصاب النداء لكنها قد لا تنجو من تبعات فك الارتباط بالسبسي إذ قد تجد نفسها منبوذة لا تقوى على إقامة توافقات جديدة ولا على حماية نفسها من المتربصين بها خارجيا إلا إذا سار مشروع «الائتلاف الوطني» بما تتمناه. صراع الرئاستين الصراع أضر بالحزب الحاكم (النداء) ويهدد الحزب الأقوى (النهضة) ويشمل تأثيره بقية الأحزاب الحاكمة والمعارضة لكن خطره لا ينحصر في تدمير المشهد السياسي بل يتعداه إلى تحطيم العلاقة بين قصر قرطاج حيث رئاسة الجمهورية والقصبة حيث رئاسة الحكومة. قد تبدو استقالة مدير الديوان الرئاسي سليم العزابي مؤخرا من منصبه مجرد ردة فعل عن تهميش دوره في رئاسة الجمهورية ولكنها في النهاية انعكاس شرطي لحالة تخبط في الرئاسة جراء انقسام المؤثرين فيها بين موالين لرئيسهم المباشر الباجي وبين من يعملون لحساب الشاهد في القصبة. ما يهمنا في هذا أن التونسي يعهد بثقته وآماله لسلطة تنفيذية يتناحر رأساهما بدل أن يتناغما وتعيش كل واحدة منهما تجربتها الخاصة في التخبط والتصارع داخليا ما يذكرنا بما كان يحدث داخل قصر قرطاج أواخر حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. إدامة الصراع ليست المشكلة في هيمنة الشاهد على رئاسة الجمهورية عبر أتباعه داخلها ولا في تمكن السبسي من استقطاب أبناء رئاسة الحكومة بل لو قدر لأحد طرفي النزاع أن يتفوق على الثاني لانتهى الصراع ولبدأت الخطوة الأولى في طريق حل المشاكل الناجمة عن هذا الصراع أولا وحل مشاكل البلاد ثانيا. فبورقيبة مثلا لم يتفرغ لبناء الدولة الحديثة إلا بعد زوال خلافه مع ابن حزبه بن يوسف والرئيس السوفياتي الأسبق ستالين لم يستطع مواصلة بناء ما بدأه سلفه لينين إلا بعد أن أزاح رفيقه في الحزب تروتسكي ومارين لوبان لم تتمكن من المراهنة بجدية على رئاسة فرنسا إلا بعد أن تخلصت من والدها ومؤسس حزبها الجبهة الوطنية جون ماري لوبان. المشكلة في تونس أن هناك أطرافا خارجية مؤثرة تتدخل بطريقة تحدث التوازن بين المتخاصمين وتديم خصامهما وصراعهما. في خطر فالشاهد الساعي إلى تفتيت رئاسة الجمهورية وحزب النداء يجد الدعم من حركة النهضة. فيما يجد الباجي المؤازرة المناسبة في الوقت المناسب من خصوم الحكومة وخاصة منهم اتحاد الشغل الذي يهدد بإضراب وطني عام.. كل هذا على حساب المصلحة الوطنية. لولا القدر العالي من الوطنية والشعور بالمسؤولية لوقع التصادم بين الشرطة (جهاز رئاسة الحكومة) وبين الجيش الذي يقوده رئيس الجمهورية، لكن نجاتنا عكس بعض الدول لا يعني أننا في مأمن فالدولة كلها في خطر بسلطاتها وأحزابها وجيشها وشرطتها وحرسها وشعبها وجميع مؤسساتها نتيجة التصادم بين رأسي السلطة التنفيذية. هذه المواجهة تفرض على كل طرف توجيه جهوده نحو مصارعة الثاني على حساب ما ينفع المواطنين مثل حفظ الأمن وتوفير الحاجيات الاستهلاكية ومراقبة الأسعار ومحاربة المحتكرين وتتبع الفاسدين لمن يعارض هذه الفكرة نحيله إلى ارتفاع نسب الجريمة والانتحار وإلى الغلاء غير المسبوق في الأسعار والتدهور الحاد في المقدرة الشرائية وتواصل ارتفاع نسب التضخم والعجز التجاري… المستحيلات السبع لن يقوى الشاهد على السبسي، ولن يتمكن الباجي من يوسف تلك هي المعادلة الصعبة التي نجمت عنها جملة من الاستحالات: الأولى: استحالة إنهاء الصراع إلا إذا غلّب الطرفان أو على الأقل أحدهما مصلحة الوطن على مصالحه الضيقة. الثانية: استحالة عودة نداء تونس إلى قوته وتماسكه إلا إذا تحققت المعجزة بانسحاب حافظ. الثالثة: استحالة نجاة حركة النهضة من تبعات الصراع وإن فرح بعض أبنائها اليوم بتلاشي قوة النداء. الرابعة: استحالة نجاتنا من استقطاب ثنائي مرير بين حركة النهضة ومن يتحالف معها وبين البقية. الخامسة: استحالة خروج البلاد من أزمتها السياسية قبل انتخابات 2019 إلا إذا قررت الحكومة الاستقالة. السادسة: استحالة تفرغ الحكومة لما ينفع البلاد والعباد مثل ارتفاع الأسعار وتهاوي المقدرة الشرائية. السابعة: استحالة إقامة الانتخابات القادمة في موعدها مهما تعددت التطمينات إلى إذا تم إنهاء الصراع سريعا والتوافق برلمانيا حول تركيبة هيأته لانتخابات في أقرب وقت.