يُجمع أهل السياسة والاقتصاد والخبراء والجامعيون وحتى عامة النّاس على أنّ الوضع الاقتصادي في تونس اليوم صعب ويستوجب تدخلا عاجلا لتقويمه وإصلاحه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن عمق الأزمة السياسية زاد الوضع تعقيدا. «الشروق» التقت عددا من خبراء الاقتصاد والوزراء السابقين واستطلعت آراءهم بخصوص الوضع الاقتصادي في تونس ونحن على مشارف سنة ستكون كسابقاتها صعبة أو ربّما أشد صعوبة، والحلول التي من الممكن أن تلجأ إليها الحكومة قبل فوات الأوان. دور الدولة وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي السابق فاضل عبد الكافي اعتبر أنّ الوضع الاقتصادي عامة والمالية العمومية خصوصا تعاني مشاكل كبيرة منذ 2011 وكل الأرقام المتعلقة بالمالية العمومية سواء المديونية أو العجز في الميزان التجاري أو عجز الميزانية في تدهور من سنة إلى أخرى، وقد وجدت الدولة الحلّ في الضغط على الجباية ولكن لا يمكن اليوم المواصلة في هذا النهج». وأكد عبد الكافي أنّ «الحلّ هو في الإجابة عن سؤال «ما هو دور الدولة؟»، اليوم إذا أردنا لكل القطاعات أن تتعافى لا بد أن تتدخل الدولة بكل إمكانياتها وأن تفكّر في منوال تنمية مناسب». وأضاف الوزير السابق «في 2011 كان حجم المديونية 25 مليار دينار، واليوم ارتفع هذا الرقم إلى 76 مليار دينار أي ما يعادل 80 % من الناتج الداخلي الخام، ولا يمكن أن يستمر الوضع على هذا النحو، وعلى الدولة ان تتدخل لتحارب الفقر والبطالة وترتقي بجميع المجالات». تحدّي الاستثمار وقدّم وزير الاقتصاد والمالية السابق حكيم بن حمودة تصوّرا متفائلا عن الأزمة الاقتصادية، مؤكدا ضرورة تنسيب الأمور، وقال إنه «في قراءة متأنية للسنوات الأخيرة نتبين أنّ الأزمة بدأت منذ مطلع الألفية غير أنّ حالة الشك وعدم الاستقرار بعد الثورة واختلال التوازنات في المالية العمومية هي التي عمّقت الأزمة. وأكّد بن حمودة أنه «إلى جانب تحدّي المالية العمومية هناك تحدّي الاستثمار الذي يطرح القضايا الهيكلية في البلاد، وقد ساهم الاستثمار في بناء الاقتصاد التونسي في السبعينات، حيث كان هناك توازن بين الاستثمار العام والاستثمار الخاص، غير أنّ هذا التوازن فقد قيمته بعد الثورة». وأشار بن حمودة إلى أنه «رغم القوانين التي تم تشريعها فإن ضعف ثقة المستثمر في المستقبل وفي قدرته على تنفيذ مشاريعه وفي المناخ الاجتماعي المتوفر وفي قدرة الإدارة على حل الإشكالات التي تعترضه هي التحديات الكبرى اليوم أمام الاستثمار، فضلا عن ضرورة التفكير في التحدي الاجتماعي، حيث أن هناك اليوم تهميشا كبيرا وهناك سؤال محيّر عن القطاعات الأساسية كالصحة والتعليم والصناديق الاجتماعية ومبدأ التضامن بين الأجيال». ورغم هذه الإشكالات القائمة بدا الوزير السابق متفائلا وأكد أن تونس توفّر اليوم إمكانات كبيرة للتنمية، مستشهدا بمقولة للوزير السابق جلول عياد تعود إلى سنة 2011 حيث اعتبر أنّ تونس بإمكانها أن تكون «سنغفورة شمال إفريقيا» وأكد بن حمودة أنّ «ذلك ممكن إذا رفعنا جميعا هذه التحديات، وستكون تونس منصة حقيقية للاقتصاد في المنطقة». عقد اجتماعي جديد وأكد الخبير الاقتصادي راضي المدّب أنّ هناك قناعة اليوم بأنّ الوضع الاقتصادي وخاصة الوضع المالي صعب، وحتى المؤشرات التي تتحدث عن أنّ الوضع الاقتصادي في تعافٍ غير كافية ولا تعكس حقيقة الأمر». واعتبر المدّب أنه «لا يمكن الخروج من الأزمة الاقتصادية اليوم إلا بالخروج من الأزمة ككلّ وأولا الأزمة السياسية والأزمة الأخلاقية والمجتمعيةمن أجل إيجاد طريقة لإدماج أكبر لكلّ مكونات المجتمع إدماجا سياسيا ومجتمعيا وماليا واقتصاديا» مؤكدا ضرورة «صياغة عقد اجتماعي جديد يعيد الثقة لدى كل المتدخلين في الشأن الاقتصادي والاجتماعي في تونس». وأكد المدب أنّ «انعدام الثقة يعطل الاستثمار وخلق الثروات وبالتالي الكد والجهد، وهذا ما نحتاجه، لأننا منذ 7 أو 8 سنوات كسرنا جميع الحصّالات وأنفقنا كل ما نملك وما لا نملك من أموال وتداينّا كثيرا وأصبح الشعب مستهلكا دون أن ينتج ومورّدا دون ان يُصدّر، وهذا الوضع لا يمكن أن يستمرّ».