انطلقت أول أمس فعاليات الدورة الأولى للتظاهرة الثقافية الجديدة، المعرض الوطني للكتاب التونسي، بالبهو الرئيسي لمدينة الثقافة بتونس، أين تنقلت «الشروق» ورصدت آراء الناشرين والزوار. تونس (الشروق) من زار منكم مدينة الثقافة بالعاصمة بالأمس أو أول أمس حتما سيشد انتباهه الحضور المكثف للكتاب، والأجنحة الكثيرة التي توزعت يمينا ويسارا وفي مدخلي البهو الرئيسي للمدينة.. أجنحة لدور نشر تونسية فقط، وليست كلها، بما أنك في حضرة الدورة الأولى للمعرض الوطني للكتاب التونسي. جولة بسيطة بين أجنحة المعرض تكتشف خلالها أن ميزة المعرض هو حضور كبار دور النشر، مع غلبة الكتب الموجهة للأطفال، والإقبال الضعيف للقارئ التونسي، فضلا عن التمييز غير الإيجابي بين الناشرين على مستوى مكان الجناح الخاص بالناشر ومساحته، وفي هذا الإطار علق الناشر كارم الشريف، بالقول: «الخطأ الكبير أن المعرض نظم بالشراكة مع إتحاد الناشرين وإتحاد الكتاب اللذين لا يبحثان إلا عن مصالح هيئتيهما المديرة، والدليل على ذلك أن رئيس إتحاد الناشرين شيدوا له جناحا خاصا به مميزا عن البقية وهذا يعد تلاعبا وشبهة فساد..». وهذا المثال ليس الوحيد، حيث ثمة تشكّيات عديدة من الناشرين، ومنهم من خير عدم الحديث عن التغيير المفاجئ لجناحه، إلا أن الناشرة نهيل صمود صاحبة دار نهيل للنشر والتوزيع لم تتردد في التعبير عن استيائها مما حدث معها، فبعد اختيارها لجناح من المفترض أنه مازال شاغرا لحظة اختيارها له، إلا أنها تفاجأ بتغيير جناحها قبل يوم ويغير مكان جناح دار النشر الخاصة بها، ويقع تمكين ناشر من هيئة التنظيم بالجناح الذي من المفترض أنها قد حجزته قبله، على حد تعبيرها، علما وأن سعر كراء المتر مربع للجناح يقدر ب60 دينارا. وأكدت محدثتنا أن تجربتها في ميدان النشر كبيرة، مشددة على أن المشرفين على المعرض لا يعرفون الناشرين التونسيين، وعلى أن المنظمين نظموا المعرض دون استشارة زملائهم الذين يبلغ عددهم 57 ناشرا، وهو ما أكده أيضا كارم الشريف حين قال إنه لم يقع استشارة جميع مكونات أهل الاختصاص من كتاب وناشرين ومكتبات وإداريين للاستنارة بأرائهم وهذا خطأ شنيع يكرّس سياسة الأمر الواقع التي تتعارض مع مفهوم حرية الرأي والتعبير وهما روح الإبداع». فشل التنظيم والدعاية ولئن انتقد كل من الناشرة نهيل صمود والناشر كارم الشريف تنظيم المعرض الوطني للكتاب التونسي، فإن بعض من تحدثنا معهم من الزوار، عبروا عن إعجابهم بالتنظيم على غرار السيد محمد (موظف) والسيدة سحر (ربة بيت)، حيث حاولت الأخيرة الإحاطة بكل الجوانب وباختصار، فاعتبرت أن المعرض جميل ملاحظة نقصا في عدد دور النشر، وإقبالا ضعيفا للزوار، ومنتقدة غياب الدعاية للمعرض، مشيرة إلى أن التنظيم بدا جيدا بالنسبة لها. لكن للناشر كارم الشريف رأي مخالف تماما لما قيل حول التنظيم، من اعتماد ما اعتبره «المغالطة»، والمتمثلة في إيهام الناس بأن هذه الدورة تأسيسية، في حين أن هذا المعرض على حد تعبيره، تم في عهد الوزير الأسبق مهدي مبروك وتحديدا سنة 2013، وكان التنظيم أحسن بكثير بل وانتظم المعرض في كامل ولايات الجمهورية، مضيفا: «باختصار هذا المعرض فاشل بكل المقاييس، التنظيمية منها والثقافية، فإلى جانب الإقصاءات والتهميش هناك فضيحة تتمثل في أنه تم منع عرض كتب الكتاب التونسيين الذين أصدروا كتبا مع دور نشر أجنبية، كما أن المعرض أقصى مبدعي الجهات، وكان تنفيذه رديئا جدا رغم أن الفكرة مهمة، وأود الإشارة إلى أن البرنامج الثقافي هزيل وضعيف جدا ولا يتماشى مع روح المعرض». لا للمركزية ما أشار إليه كارم الشريف بخصوص تنظيم الدورة التأسيسية في كل جهات الجمهورية في فترة تولي مهدي مبروك وزارة الثقافة، شدد عليه الشاعر والصحفي المصري بجريدة الأهرام أحمد الشهاوي، حين قال: «لقد بدأت تونس متأخرة كثيرا في الالتفات إلى معرض الكتاب التونسي، وحسنا التفتت إلى هذا الأمر أخيرا، ولكن تونس ليست تونس العاصمة، وتونس بالنسبة لي هي كل مدنها الكبرى التي تعد عواصم في ولاياتها، ولذا ينبغي أن يبدأ هذا المعرض مباشرة، عقب انتهائه في العاصمة، في التجوال إلى قابس والقيروان وسوسة والمنستير وكل المدن الثقافية لأن الاقتصار على العاصمة معناه أننا ندور في الحلقة نفسها». وعرّج محدثنا على التجربة المصرية في هذا الصدد قائلا: «تجربة مصر في هذا الخصوص تزيد عن 30 عاما، حيث يذهب معرض القاهرة الدولي للكتاب إلى الاسكندرية وطنطة ومدن صعيد مصر وشمالها.. ولنعتبر أن مبادرة محمد زين العابدين ومنصور مهني هي فاتحة صورة الكتاب التونسي، علينا أن نهتم بتواجد الكتاب التونسي في الخارج، فبالأمس جلت المعرض ووجدت كتب المؤلفين تونسيين ينبغي أن يقرأها المتلقون العرب أينما كانوا، وهذا عبء آخر يقع على عاتق وزارة الثقافة، وسبق لي أن اقترحت أن يكون لتونس دار للكتاب التونسي في العواصم العربية الكبرى مثل القاهرة والرباط وبيروت لأن في تونس أسماء كبيرة ولا ينبغي تغييب نتاج العقل التونسي من الساحة العربية». إنجاز تونسي ومن جانبه اعتبر رئيس إتحاد الناشرين التونسيين والمدير التنفيذي للمعرض الوطني للكتاب التونسي، محمد صالح معالج، أن المعرض في دورته التأسيسية، إنجاز للناشر وللكتاب التونسي، ناضلوا من أجله قرابة 05 سنوات، ووفقوا في انجازه على حد تعبيره، مضيفا بأن الافتتاح كان ناجحا بنسبة مائة بالمائة، حسب الاحصائيات التي أمدتهم بها مدينة الثقافة ومن أبرزها أن عدد الزوار تجاوز 15 ألف زائر، حسب قوله. وثمن محدثنا تفاعل الصحافة التونسية بصفة تلقائية مع هذا الحدث الثقافي وبصورة إيجابية على حد تعبيره، ودعا معالج، وزارة الثقافة إلى التفكير في إحداث مكتبات مختصة في بيع الكتاب الثقافي، خاصة وأن ععد هذه المكتبات لا يتجاوز 15 مكتبة، مشددا على أن دور الدولة تشجيع الإستثمار في بيع الكتاب الثقافي لأنه يندرج ضمن المجال الثقافي لا التجاري كما يتصور البعض، باعتباره منتوجا يصعب توزيعه وبيعه على حد قوله، وفي هذا الخصوص علق كارم الشريف على اهتمام الدولة عموما بالكتاب بالقول: «المعرض التأم كما هو معلن على المعلقات تحت سامي إشراف رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ولكنه تخلف عن موعد الافتتاح».