أكدت مصادر رسمية ان « سيتي غروب « والبنك الألماني « جي بي مورغان « و»ناتيكزي» ستصاحب خروج تونس الى السوق المالية الدولية لإصدار قرض رقاعي في اطار توفير موارد لفائدة ميزانية 2018 سيكون بقيمة 867,7 مليون أورو اي ما يعادل حوالي 1 مليار دولار يقابلها بالدينار التونسي 2,833 مليار دينار ولئن حددت مدة سداد هذا القرض بخمس سنوات فان نسبة الفائدة الموظفة عليه لم يتم الاعلان عنها. لقد تقرر خروج تونس الى الاسواق المالية العالمية منذ نهاية الثلاثي الاول لهذه السنة الا انه تم تاجيله اكثر من مرة لان وضع البلاد لا يسمح لها باتمام هذه العملية في ظروف لا تزيد في اثقال كاهل البلاد بديون لن يكون الاشكال في تزايدها فقط بل في سداد خدمات تلك الديون من فوائد تتراكم في كل مرة بسبب تراجع الدينار امام الاورو و الدولار الى ان تقرر اخيرا اتمام هذه العملية والتي هي في ارتباط وثيق بتوفير موارد لميزانية الدولة لسنة 2018 والتي كشف قانون المالية التكميلي لها الى وجود ثغرات كبيرة لا تمكن من سد الفجوة بين المصاريف والنفقات خاصة بسبب التفاوت الكبير بين السعر المتوقع لبرميل البترول الذي توقعته الدولة عند وضع الميزانية والسعر الحقيقي وقد وصل التفاوت الى ما يقارب 25 دولار اذ ان السعر المتوقع كان 54 دولارا للبرميل ليصل منذ اشهر عديدة الى 78 دولارا ورغم قيام الحكومة في اطار الية التعديل الالي لاسعار المحرقوات باقرار ثلاث زيادات في اسعارها الا ان العجز الطاقي يتفاقم من يوم الى اخر. الحكومة تناقض نفسها اشارت وزارة المالية على موقعها الالكتروني ان عجز ميزانية الدولة إلى حدود شهر أوت المنقضي وصل إلى 2643 مليون دينار مؤكدة تقلص قيمة العجز ب 1242 مليون دينار مقارنة بالفترة ذاتها من العام المنقضي وزادت الوزارة في العزف على نغمة التفاؤل بالاشارة الى انه مقارنة مع الأشهر الثمانية الاولى لسنة 2017 فقد تم تسجيل تطور في الموارد الذاتية للدولة بنسبة 19,4 بالمائة وأنها تتوقع ان يكون عجز الميزانية في نهاية هذه السنة بنسبة 4,9 بالمائة مقابل 6,1 بالمائة % في سنة 2017. وتوقع تقرير وزارة المالية حول القانون التكميلي لميزانية هذه السنة أن تبلغ جملة الموارد الذاتية مبلغ 27966 مليون دينار مقابل 26415 مليون دينار كانت مقدرة أوليا اي بزيادة قيمتها 1551 مليون دينار. هل كان التوقيت سليما؟ من الثابت ان عمليات التاجيل السابقة منذ مارس الفارط لخروج تونس الى الاسواق المالية العالمية كان مردها الخوف من توظيف فوائد عالية على هذا القرض الرقاعي ومن المؤكد ايضا ان الامور لم تتغير بين فترة اقرار مبدا الخروج الى الاسوتاق المالية العالمية وهذا الوقت الذي قررت فيه الحكومة الخروج فعليا الى الاسواق بل ان الاوضاع ساءت فالدينار تراجع اكثر امام الاورو والدولار كما ان مؤسسات الائتمان العالمية لم تحسن من تصنيف تونس بل خفضت فيه رغم ابقائها عليه كما هو في مارس الفارط عند مستوى «بي 2» حيث غيرت نظرتها إليه من مستقرة إلى سلبية ورغم تبريراتها بان الاوضاع الدولية لم تعن على تحسين وضعية اقتصادنا الا ان كل ذلك لن يغير من موقف المستثمرين شيئا بل سيزداد منسوب الشك لديهم في الاقتصاد التونسي وهو ما سيزيد في الترفيع في نسب الفائدة الموظفة على هذا القرض. أسباب سياسية من المؤكد ان حجم العجز المسجل في ميزانية هذه السنة والذي لن يجعل التقليص في حجم العجز المسجل فيها والمتراكم منذ سنوات دفع الحكومة الى الخروج في هذا الوقت الى السوق المالية العالمية رغم ان تقرير «موديز» يحتم عليها التاجيل لكن ياس الحكومة من امكانية تحقيق اي ترفيع في ايرادات الدولة يدفعها الى هذه العملية مرغمة كما ان الضغوط المسلطة على الحكومة من اتحاد الشغل وتهديده باضراب عام يوم 24 اكتوبر الجاري ثم اخر بعده لا شيء في الافق ينبئ بامكانية العدول عنهما ما لم تستجب الحكومة الى مطالب اتحاد الشغل وخوفا من الحكومة من تاجيج نيران الاحتجاجات الاجتماعية التي يوجد اكثر من عامل لجعلها مضطرمة بصورة تصعب من مهمة الحكومة في السيطرة عليها خاصة في ظل ما شهدتها البلاد من تهدور شنيع للقدرة الشرائية للمواطن وما خلفته افياضانات التي مست مؤخرا اكثر من جهة وما سجلتها من خسائر فادحة تجعل من اليسير بمكان تاجيج نيران الاحتجاجات حتى قبل موعدها المعروف عادة في كل مفتتح سنة جديدة .. امام كل ذلك لا خيار امام الحكومة الا ان تغمض عينيها عن المخاطر المحدقة بعميلة خروجها الى الاسواق المالية العالمية واتمام العملية لتحصيل مقدار يسد العجز ويوفر لها ما به تمتص اسباب الغضب الشعبي المحتمل. فرئيس الحكومة يعلم جيدا ان اقالته مطلوبة كان ما كان الوضع وان خصومه لن يفرطوا في فرصة ذهبية مثل الفياضانات واهتراء مقدرة المواطن الشرائية للتعمية على ما تحقق من انجازات خفضت في حجم العجز وحسنت نسبة النمو وان بمقادير طفيفة وان كل ذلك مدعاة لتفجير غضب شعبي يحتم على الشاهد الخروج بخسارة سياسية مدوية تقضي على طموحاته وعلى مشروعه السياسي في المهد وهو ما يعني انه لئن كان التهديد الموجه الى رئيس الحكومة السابق «اخرج والا نمرمدوك» لم يتعد مرحلة الكلام فانه مع الشاهد سيتم القفز على مرحلة القول الى الفعل. وهنا اختار الشاهد التمترس خلف الدولة بان يخرج الى السوق المالية العالمية لتحصيل قرض يخفف من حدة التوترات في البلاد ويبطل مفعول سلاح ناجع سيستعمل ضده .. ولا يهم ان كانت نسبة الفائدة كبيرة مادامت عقلية «احييني اليوم» هي السائدة.