أخيرا أزيح الستار عن العلاقة الحميمة بين العرب و الكيان الصهيوني بعد أن استوطنت هذه العلاقة المكوث في الظلام لتكشف مؤخرا عن فصول ومشاهد كانت مستترة خلف أبواب مغلقة، وخلف أقنعة طالما ادعت أنها لن تصافح الأيادي الملطخة بالدماء، إلى أن سقطت تلك الأقنعة وكشفت عن سقوط هؤلاء في مستنقع "التطبيع" العلني مع الصهاينة. ولم يعد الأمر يقتصر اليوم على إقامة علاقات تتمّ تحت مسمّى التّنسيق الأمني والتعاون الاستخباري. بل تطور الى الحديث عن "سلام عربي صهيوني دافئ " على حساب "جثّة" القضية الفلسطينية بعد شطب الحقّ الفلسطيني منذ تسليم الرئيس الأمريكي دونالد ترومب مفاتيح القدس الى الكيان الغاصب. في يوم واحد تقريبا تلقت الشعوب العربية ثلاث "طعنات" تطبيعيّة بدأت بمشاركة وفد اسرائيلي في دَورَةِ رياضة بدولة قطر، الى زيارة وفد رياضي صهيوني آخر الى الامارات بترؤس وزيرة الثقافة الإسرائيليّة ميري ريغيف الأكثر عُنصريّةً واحتِقارا للعرب. أمّا الضّربة الأكبَر، فهي قبل أن يكتمل المشهد بزيارةٍ علنية ورسمية لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نِتنياهو، إلى سَلطنة عُمان. وحَظِي خِلالها، والوَفد المرافِق له، باستقبال حافل، ولقاء مع السلطان قابوس. والمفارقة هي أن هذه الطعنات التطبيعية المؤلمة تزامنت مع مجزرة صهيونية مروعة استشهد خلالها 4 فلسطينيين وجرح أكثر من 232 فلسطينيا آخر خلال مشاركتهم الجمعة الماضي في مسيرات العودة لكسر الحصار عن قطاع غزة. و جاءت في وقت لا يعدم فيه الاحتلال الصهيوني وسيلة لإبادة الشعب الفلسطيني و العمل على تصفية قضيته تحت مظلة عربية يفاخر بأنّها تشاطره الرؤى والأهداف. لكن المفارقة الأكبر، أنّه لم تحدث أي اعتراضات فعلية على هذه "الهرولة التطبيعية"، سوى صدور بيانين خجولين عن حركتي فتح وحماس الفلسطينيّتين، تستنكران فيه زيارة نتنياهو الى مسقط، وتهيبان بالجماهير العربية للتّعبير عن سخطها وشجبها لهذا التطبيع المتصاعد مع "العدو" الإسرائيلي. و لسنا نعرف من هي الجماهير المفترض أن تنتفض؟. رغم هذا الواقع المؤلم، فإن الحقيقة الماثلة للعيان تشير الى أن هذه الهرولة ما هي الا جزء من التسابق بين هذه الدول للعب دور وكيل، والتنافس في ما بينها على التقرب من الكيان الصهيوني وداعميه الغربيين، وامتداد للتصارع في ما بينهم على لعب أدوار قيادية تعزز مكانتها في منظومة اقليمية متهالكة. بهذا المعنى فإن التقاء المصالح المتزايد والتقارب الاستراتيجي والتعاون السري بين الاحتلال الصهيوني وبين الكثير من الدول العربية أصبح واقعًا باتت إسرائيل بموجبه بعيدة عن رأس سلم الأولويات الأمني كعدو بالنسبة الى القادة العرب الذين لم يعودوا يمانعون في مشاركتها في ما يصفونه ب"الخطر الايراني" و الإرهاب وعدم الاستقرار الإقليمي. و لا يترددون في القول من خلف الأبواب المغلقة بأن إسرائيل لا تهددهم، وبأن هناك مزايا استراتيجية واقتصادية تكمن في التعاون الخفي معها بحسب ما تنقله الصحافة الاسرائيلية. والأخطر من كل ذلك، أن هذه الدول لم تجد الا القضية الفلسطينية كورقة للمساومة والصراع في ما بينها ؛ فبدل أن تكون هذه القضية قضية إجماع عربي يدعم الحق الفلسطيني بالعودة والتحرير، تحولت للأسف الى مجرد ورقة للتنافس على كسب ود الكيان الصهيوني و التطبيع معه من أجل لعب أدوار سياسية تهدف الى إعادة الزخم لمشاريع مدمرة كصفقة القرن والناتو العربي الصهيوني و بالتالي الإجهاز نهائيا على قضية فلسطين. وبتعبير آخر فإننا نشهد اليوم تغييرا غير مسبوق لمسار الصراع واستبداله بالتطبيع وقبول أمر الواقع الإسرائيلي، أي احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية وتشريد شعب فلسطين و هذا هو جوهر التطبيع الذي يريده الكيان الصهيوني. حتى أن البيئة الدولية الخارجية صارت محكومة بمعادلة مفادها أن تحسين العلاقات مع إسرائيل هو شرط لتنمية العلاقات مع الولاياتالمتحدة. ولا عجب في ذلك بعد انهيار النظام الإقليمي العربي و بعد آن تحول العرب الى ايتام على موائد اللئام. 3 مشاهد تونس(الشروق) «رفض التطبيع»... شعار ترفعه الدول العربية على الدوام. ولكن ما حدث خلال الأيام الماضية جعل البعض يبدى دهشته ويندد بالمشهد العام خاصة مع حضور الكيان الصهيوني في 3 دول عربية خلال الأيام القليلة الماضية آخرها يوم الجمعة الماضي، وتنوع ظهورها ما بين لقاءات رياضية وأخرى دبلوماسية. المشهد الأول: فريق الجودو في الإمارات في 24 الجاري، استقل منتخب الكيان الصهيوني للجودو الطائرة المتجهة الى دولة الإمارات، من أجل المشاركة في بطولة (غراند سلام)، والتي بدأت مراسمها أول أمس السبت، في العاصمة أبو ظبي. المشهد الثانى: فريق الجمباز في قطر في اليوم ذاته (24 أكتوبر ؛ وصل فريق الجمباز بدولة الاحتلال إلى دولة قطر. حيث شاركوا في البطولة التي بدأت مراسمها في 25 أكتوبر الجاري وتستمر وقائعها حتى 3 نوفمبر المقبل. المشهد الثالث: نتنياهو في عمان على أرض سلطنة عمان هبطت طائرة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الجمعة الماضي ، وسط ترحيب وحفاوة استشاط لها المتابعون.