النهضة متهمة بالإساءة إلى سياسة تونس الخارجية عبر الزج بها في سياسة المحاور، هذا ما نستخلصه من البيان الذي أصدره نداء تونس مؤخرا ردا على تدخل الغنوشي في الأزمة السعودية، ولكن هل إن الأحزاب مطالبة بتبني مواقف الدولة في علاقاتها الخارجية؟ تونس (الشروق) «رئيس حركة النهضة تدخل في علاقات تونس الديبلوماسيّة بما يمس من المصلحة الوطنيّة ويرهن بلادنا ويقحمها في سياسة المحاور التي تمثّل انقلابا على العرف الدبلوماسي لدولة الاستقلال». هذا ما لاحظه حزب النداء في بيان أصدره الأحد الماضي. ما فعله رئيس حركة النهضة في كلمته التي ألقاها خلال الندوة السنوية الثانية لإطارات الحركة والتي انتظمت قبل أيام في الحمامات أنه ترحم على الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وأنه شبّه ردود الفعل التي تلت مقتله بالظروف التي أدت إلى اندلاع الثورة التونسية عقب انتحار البوعزيزي ما اعتبره البعض مثل النداء تحريضا غير مباشر على الثورة ضد النظام السعودي بما يهدد أمن المملكة واستقرارها ويسيئ إلى علاقة تونس بها. النهضة تمارس حقها في التعبير عن رأيها بما يتناغم مع ما يؤمن به أنصارها في الداخل وحلفاؤها في الخارج فلماذا لا تلتقي مع السياسة الخارجية التونسية؟. سياسة المصالح هناك دول تتدخل في توجهات أحزاب الدول الأخرى بالتمويل أو التشجيع أو غيرهما...، وهناك بالمقابل أحزاب تقيم علاقات تحالفية مع بعض الدول أو الأنظمة ما يجعلها عدوا للدول والأنظمة المعادية. حتى نبسط، نشير إلى أن حركة النهضة اختارت مثلها مثل العديد من الأحزاب سياسة المحاور في علاقاتها الخارجية فباتت حليفة لقطروتركيا وغيرهما ما جعلها عدوا للأنظمة والدول التي تعادي هذين البلدين مثل السعودية والإمارات ومصر السيسي وحتى سوريا الأسد. لهذا لا نستغرب تشجيع تركياوقطر على مكوث النهضة في السلطة واستياء السعودية والإمارات من هذا المكوث… المحدد الأساسي في المواقف هي المصلحة ولكننا لا نميل إلى الرأي القائل بأن الحركة التونسية تعمل فعلا على إسقاط النظام السعودي لأنها لا تملك القوة ولا التأثير اللازمين لمثل هذا العمل حتى لو افترضنا جدلا أنها تطمح إليه في إطار سياسة المصالح. إنهاء سياسة المحاور هذا الثبات في الموقف النهضوي يقابله تغير في الدبلوماسية التونسية فرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي أنهى سياسة المحاور التي انتهجها سلفه منصف المرزوقي وعاد إلى السياسة البورقيبية وحتى «البنعلية» في الحياد وعدم الميل إلى هذا المحور أو ذاك مثلما يظهر في الأزمة القطرية وأزمة خاشقجي الحالية. فقبل أشهر امتنعت تونس عن الانخراط في الحلف السعودي الإماراتي ضد قطر ورفضت في الآن ذاته إدانة الحصار والاستجابة لدعوات البعض من المتحالفين مع قطر مثل دعوة المرزوقي العلنية. وفي الأزمة السعودية الحالية اختارت تونس موقفا دبلوماسيا محايدا لم تغفل فيه عن إبداء حرصها على استقرار السعودية مما يجعله متضاربا إلى حد واضح مع موقف النهضة. الموقف النهضوي يعبر عن رأيها الخاص والموقف الرسمي يعبر عن سياسة تونس الخارجية فهل يمكن للموقف الأول أن يؤثر في الثاني؟. لا للخلط سعت النهضة إلى إبعاد التهمة وسوء الفهم عبر بلاغ أشارت فيه إلى «حرصها على تعزيز علاقات الأخوة والتعاون مع الشقيقة المملكة العربية السعودية وتقديرها الكبير لما حظيت به تونس من السعودية من دعم متواصل…» وأكدت أنها «حريصة على أمن وسلامة السعودية ورفضها لمحاولة المس بأمنها» ونوهت بأن رئيسها، راشد الغنوشي، «لم يذكر أي إسم ولم يشر لأي دولة» في كلمته سابقة الذكر. بهذا التوضيح تصبح الحركة متناغمة مع سياسة تونس الخارجية وترفع بالتالي أي ضرر محتمل بعلاقاتها الأجنبية، لكن هذا التوضيح لايبدو فيصلا في رفع المضرة أو إبقائها. فالسعودية لا تتضرر من خلال موقف حزبي موجه أساسا إلى الأنصار، وسياسة تونس الرسمية لا يؤثر فيها موقف حزبي وإلا لقلنا إن المرزوقي يؤثر في سياسة الحياد التونسية بوقوفه إلى جانب قطر في أزمتها الخليجية. ما يهمنا أن سياسة الدولة الرسمية هي التي يعبر عنها رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وليست الأحزاب المطالبة دوما بالتعبير لأنصارها عن مواقفها على أن تتحمل لوحدها تبعات مواقفها دون ان تشاركها الدولة في التحمل. الخارجية تنهي الجدل أصدرت وزارة الشؤون الخارجية مؤخرا بلاغا قالت فيه إن رئيس الجمهورية هو المسؤول حصريا على ضبط السياسة الخارجية للبلاد التونسية التي تتولى وزارة الشؤون الخارجية تنفيذها ومتابعتها تطبيقا للدستور. وذكّرت الوزارة، في بلاغها، بأن ثوابت السياسة الخارجية التونسية ترتكز على الحفاظ على السيادة الوطنية وخدمة المصالح العليا لبلادنا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والنأي بتونس عن سياسة المحاور والاصطفاف. واستغلت الفرصة للتأكيد على عراقة علاقات تونس بالمملكة العربية السعودية وتميزها والحرص على تطويرها خدمة لمصلحة الشعبين الشقيقين. وتطرقت إلى الموقف الرسمي من قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي فلاحظت أن وزير الشؤون الخارجية أكد يوم 22 أكتوبر 2018 إدانة تونس للجريمة وحرصها على معرفة الملابسات التي حفت بها، داعيا إلى عدم استغلال هذه الحادثة لاستهداف استقرار المملكة وأمنها… رسائل النهضة قد يتساءل البعض عما دعا النهضة إلى إصدار بلاغها التوضيحي بعد أن عبرت بوضوح عن موقفها من الأزمة السعودية فنجيب بأن هناك أربع رسائل مترابطة. فالأولى موجهة أساسا إلى الداخل حتى لا يسجل النداء نقاطا سياسية على حسابها، والثانية إلى بقية الخصوم حتى لا يركبوا على الحدث ويزيدوا في اتهامها وتوريطها، والثالثة إلى رئاسة الجمهورية (المعنية بالسياسة الخارجية) مفادها أنها لا تهدم ما بناه السبسي ويبنيه رغم موقفه الحالي منها، وأما الرابعة فموجهة إلى الجانب السعودي إذ من صالح الحركة أن تبين له حرصها «على أمن وسلامة السعودية ورفضها لمحاولة المس بأمنها» حتى لا توفر له مبررا لمهاجمتها وهو الذي يحافظ على قوته الإقليمية رغم ما أصابه من أزمة خاشقجي.