كشف محمد الطرابلسي وزير الشؤون الاجتماعية أن ميزانية الدولة تضخّ كل شهر ما بين 80 و100 مليون دينار في موازنات صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية لسدّ العجز الحاصل في صرف جرايات المتقاعدين. أبطلنا التعاقد مع أطباء ومصحّات بسبب «تحت الطاولة» ! 100 مليار عجز صندوق التقاعد شهريا... والحل في مخطط إنقاذ مستعدون للحوار مع مسدي الخدمات... لكن الكنام لن يبقى مكتوف الأيدي وأكّد في حوار مع «الشروق» أهمية التعجيل بتنفيذ مخطط إصلاح نظام التقاعد لاستعادة توازنات الصناديق الاجتماعية والخروح من الحلقة المفرغة التي تلف فيها منظومة الضمان الاجتماعي. ولم يستبعد محمد الطرابلسي في هذا الصدد اللجوء الى التعاقد الفردي مع مسدي الخدمات الصحية عقب توقف الصيادلة عن تطبيق الاتفاقية الجماعية التي تربطهم بالكنام مؤكدا في المقابل استعداد الوزارة للحوار لتحيين الاتفاقيات القائمة. وعبّر من جهة أخرى عن استعداد الحكومة للحوار مع اتحاد الشغل للتوصل الى إبرام اتفاق حول الزيادة في أجور الموظفين يراعي القدرة الشرائية لهذه الشريحة والإمكانيات الحقيقية للبلاد. الحوار الذي تناول أيضا النزيف الحاصل في موازنات الكنام بسبب ظاهرة «الفواتير الوهمية» وتمرّد عدد من الأطباء والمصحات على التعريفة القانونية بدأ بهذا السؤال: أصدر اتحاد الشغل برقية إضراب في قطاع الوظيفة العمومية على خلفية تعثّر مفاوضات الزيادة في الأجور، ما هو موقف الحكومة؟ ينبغي التذكير أولا بأهمية المكاسب المسجلة في نطاق هذه الجولة الجديدة من المفاوضات الاجتماعية حيث نجحنا في إقرار زيادات في أجور أعوان كل من القطاعين العام والخاص ونعمل على أن يتحقق نجاح مماثل في قطاع الوظيفة العمومية بالرغم من صعوبة الظرف الاقتصادي والضغوطات الشديدة التي تواجهها المالية العمومية والتي من بين أسبابها التضخم الكبير لأعداد الموظفين بعد 2011 حيث مرّ عدد الموظفين من 370 الى 650 ألف موظف مما جعل أعباء كتلة الأجور ترتفع الى ٪16 من الناتج الداخلي، هذا لا يعني أننا نرفض الحوار بل على العكس هناك حرص من الحكومة على الوصول الى اتفاق يخدم القدرة اشرائية للموظف ويراعي في الآن نفسه قدرات البلاد في الظرف الراهن. هل حصل اتفاق مع الاتحاد على موعد لاستئناف جلسات التفاوض؟ نأمل أن نستأنف التفاوض حول الوظيفة العمومية خلال الأيام القليلة القادمة. بعد أطباء الأسنان توقف مؤخرا الصيادلة عن تطبيق الاتفاقية الجماعية مع الكنام، فيما يلوّح الأطباء بالمقاطعة في بداية العام القادم ما هو مصير المضمون الاجتماعي في خضمّ هذا الوضع؟ الكنام يمرّ بوضعية خاصة يعرفها الجميع منذ 2014 بفعل عدم قدرة كل من صندوق التقاعد وصندوق الضمان الاجتماعي على تحويل المساهمات بعنوان التأمين على المرض الى الكنام وهو ما تسبّب آليا في أزمة سيولة لهذا الأخير تراجعت حدتها منذ نوفمبر 2017 تاريخ انطلاق التحويل المباشر لمساهمات التأمين على المرض من المؤجرين الى الكنام بدل أن تمرّ عبر صندوق التقاعد علما وأنه لم يتسنّ اتخاذ قرار مماثل بالنسبة الى منخرطي صندوق الضمان الاجتماعي بالنظر الى أن المشغلين هم خواص يقومون بخلاص مساهمات الضمان الاجتماعي بما في ذلك قسط التأمين على المرض كل ثلاثية ومع ذلك فقد قام صندوق الضمان الاجتماعي بمجهود استثنائي لاستخلاص الديون المتراكمة مما مكنه من التسديد الجزئي لأموال الكنام. في خضم هذا الوضع ارتبكت أجندا خلاص مستحقات مسدي الخدمات على غرار الأطباء والصيادلة من قبل الكنام؟ بالفعل فالكنام رغم صعوبة الظرف الذي تمرّ به منظومة الضمان الاجتماعي برمتها لم يخل بالتزاماته مع مسدي الخدمات الصحية سواء في القطاع العام أو الخاص، علما وأن نصيب الصيادلة من أموال الكنام يعادل 400 مليون دينار سنويا... ومن الطبيعي أن يحصل شيء من التأخير في صرف المستحقات في ظل الظروف التي ذكرتها منذ حين، كما تجدر الاشارة في هذا الصدد الى أننا توصلنا الى حلول بالنسبة الى أطباء الأسنان حيث سيصدر في غضون الأيام القادمة أمر يفرد خدمات طب الأسنان بسقف خاص يتجاوز سقف الأمراض العادية كما يدرجها ضمن الخدمات القاعدية التي يتكفل بها الكنام وهذا يؤكد حرص الوزارة على إيجاد الحلول اللازمة لتأمين السير العادي لمنظومة التأمين على المرض. لكن مصلحة المضمون الاجتماعي التي تأسس عليها الكنام هي اليوم في خطر، فلماذا لا تلجأ الحكومة الى التعاقد الفردي مع مسدي الخدمات الصحية بدل الاتفاقيات الجماعية على غرار عديد الأنظمة المماثلة في دول أخرى مثل فرنسا؟ خيارنا يظل التعاقد الجماعي لكن الكنام لن يبقى مكتوف الأيدي إذا تضرّرت مصالح المضمون الاجتماعي فالفصل 13من القانون المحدث لنظام التأمين على المرض يخول اللجوء الى أشكال أخرى من التعاقد منها التعاقد الفردي المباشر مع مسدي الخدمات إذا اقتضت مصلحة المريض ذلك. ألا تعتقد أن التعاقد الفردي أصبح خيارا ضروريا في خضم المفارقة القائمة اليوم وهو شطط التعريفات التي يفرضها عدد من أطباء الاختصاص والمصحات فيما المنطق يفرض أن يكون الكنام الجهة التي تحدد التعريفات بما يتناسب مع القدرة الشرائية للمضمون الاجتماعي؟ خيّرنا في البداية العقود الجماعية تثمينا لدور الهياكل المهنية الممثلة لمسدي الخدمات الصحية لكن الكنام يحتفظ لنفسه بحق تغيير صبغة التعاقد إذا لم تحترم الجهة المقابلة التعريفات والشروط المنصوص عليها في الاتفاقيات الجماعية المبرمة، علما وأنه وصلتنا عديد التشكيات بشأن تعمّد مسدي الخدمات استخلاص مبالغ تتجاوز التعريفة «تحت الطاولة» كما يقال وهو خرق نرفضه للاتفاقيات المبرمة علما وأن الكنام كلما تراكمت لديه المؤيدات التي تثبت حصول هذه الممارسة إلا وأبطل التعامل مع مسدي الخدمات من أطباء ومصحات. نحن مستعدون للحوار لمراجعة مضمون الاتفاقيات على غرار ما حصل مع جراحة القلب والشرايين لكن ما عدى ذلك نعتبره ممارسة غير أخلاقية وضربا من التحيّل. وكيف تتعاطى الوزارة مع النزيف الحاصل في أموال الكنام بفعل مغالطات كل من مسدي الخدمات والمنخرطين أو ما يعرف بالفواتير المدلسة التي تشفط كل عام ما بين 30 و50 مليارا من موازنات الكنام؟ الكنام حريص على انتهاج مراقبة مشدّدة للتصدي للفواتير الوهمية وهناك عديد القضايا التي رفعت ضد مسدي الخدمات الصحية مثل الأطباء والمصحات والصيادلة لكن المشكل أن هذه الممارسات يتم اكتشافها لاحقا لأن المنظومة الحالية لا تخول المراقبة الحينية للتصاريح ومن ثمة فإن الحل الجذري هو اعتماد بطاقات الانخراط الذكية بدل اليدوية، وهو مشروع تعطل منذ سنة 2008 وقد تجاوزنا مؤخرا كل العراقيل وينتظر أن يبدأ اعتماد البطاقة الذكية في الثلاثية الثانية من العام القادم علما وأن هذا المشروع الذي سيعمّم تدريجيا بداية من منظومة الطرف الدافع سيقضي على قرابة ٪90 من الفساد الموجود حاليا والذي يستنزف كما ذكرت ما بين 30 و50 مليارا من أموال الكنام سنويا. كما تجدر الاشارة الى أن وزارة تواصل وضع مكافحة الفساد في صدارة أولوياتها وهو ما جعل هيئة مكافحة الفساد تضع وزارة الشؤون الاجتماعية على رأس الوزارات المتعاونة في مجال مكافحة الفساد حيث رفعنا عشرات الملفات إلى القضاء ومجالس التأديب ضد أطباء ومصحات ومديرين ومتفقدين حرصا على تأمين الشفافية المطلقة في هذا القطاع. مقابل هذا الحرص على الشفافية بدأت تظهر انحرافات جوهرية من خلال بوادر تحول نظام التأمين على المرض من أداة للرفع من جودة الخدمة الصحية إلى وسيلة اثراء فاحش لمسدي الخدمات الخواص.. أي أن القطاع الخاص تجاوز دوره التكميلي وأصبح يأكل من العام وهذا يهدد التدرج نحو نظام صحي متوحش الفيصل فيه للمال. كيف تتفاعل الحكومة مع هذه الانزلاقات الخطيرة؟ المسألة مرتبطة أساسا بخيارات المضمون الاجتماعي لكن بدأنا مؤخرا نلمس عودة التوازن في تحويلات الكنام بين القطاعين العام والخاص نتيجة الجهود التي بذلتها الحكومة لتوسيع وتطوير شبكة المستشفيات العمومية وحرص الكنام على تطبيق ذات التعريفات مع القطاعين وهو ما تدعم من خلال الاتفاقية المبرمة مع وزارة الصحة لتحيين المعلوم الجزافي للعمليات الجراحية على القلب وتوحيدها مع الخاص كما أن الحكومة حريصة على دفع مسار تأهيل القطاع الصحي العمومي حفاظا على الدور المرجعي لهذا المرفق. ومتى ستحل جذريا أزمة السيولة التي تعاني منها منظومة الضمان الاجتماعي وتلقي بتداعياتها على جودة الخدمات الصحية بما في ذلك وفرة الدواء كما تثير المخاوف على استدامة صرف جرايات التقاعد؟ مثلما ذكرت منذ حين فإن الحكومة تقوم بمجهود استثنائي للحد من تداعيات الأزمة الهيكلية لمنظومة الضمان الاجتماعي فهي سبيل المصال تضخ ما بين 80 و100 مليون دينار كل شهر في موازنات صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية لسد العجز الحاصل في صرف الجرايات.. وهذا المبلغ ارتفع خلال شهر أكتوبر إلى 127 مليون دينار بفعل صرف القسط الثاني من متخلدات الزيادة في الجرايات.. الأسباب يعلمها الجميع وهي باختزال تتعلق بتداعيات تسارع وتيرة تشيّخ المجتمع مع موازنات الصناديق والحل الجذري يكمن في التعجيل بتنفيد مخطط انقاذ الصناديق الذي كان موضوع مشروع قانون جدل إلى مجلس النواب وهو كفيل بتحقيق التوازن المالي للصناديق في غضون السنوات الخمسة القادمة. يعني ذلك أنه من السابق لأوانه الحديث عن موعد محدد للترفيع في سن التقاعد؟ الحكومة طلبت من مجلس النواب استعجال النظر في مشروع قانون انقاذ الصناديق الاجتماعية نظرا لصيغته المحورية بالنسبة إلى منظومة الحماية الاجتماعية ومن ثمة فإن التنفيذ الفعلي مرتبط بالمصادقة على هذا المشروع الذي يتضمن حزمة كاملة من التدابير لمعالجة الأزمة الهيكلية للصناديق هي الرفع في سن التقاعد الاجباري إلى 62 عاما على مرحلتين والترفيع بثلاث نقاط في المساهمات الاجتماعية إلى جانب تحسين استخلاص الديون المتراكمة وإحداث مجلس أعلى لتمويل الحماية الاجتماعية يتولى وضع التوجهات الاستراتيجية حتى نتجنب مستقبلا حصول أزمة مماثلة للتي تعيشها الصناديق اليوم. لكن إلى جانب تداعيات تهرّم المجتمع تعود أزمة الصناديق أيضا إلى تغوّل الاقتصاد الموازي الذي يشغل مئات الآلاف دون تغطية اجتماعية.. كيف تتعاطى الحكومة مع هذا الملف؟ وما يعرف بالتهرب الاجتماعي؟ بالفعل لقد تفاقمت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة العمل غير المنظم وانتقلنا من أفراد إلى مؤسسات برمتها تشتغل في القطاع الموازي وهو ما ألحق خسارة كبيرة بموازنات الدولة وصندوق الضمان الاجتماعي والحكومة تضع مكافحة هذه الظاهرة أو ما يسمى التهرب والاجتماعي في صدارة أولوياتها حيث نعتزم انتداب عدد هام من متفقدي الشغل مع تمكينهم من صلاحيات أكبر في زجر المخالفات وذلك بالتوازي مع انتهاج مقاربة إدماج تشجع المشتغلين في القطاع الأسود على الانتقال إلى القطاع المنتظم وقانون المالية للعام القادم يتضمن تدابير عملية لسحب مظلة الحماية الاجتماعية على العاملين في القطاع غير المنظم.