«عربي» و«جواهر» طفلان في عمر الزهور اتخذا من الرعي بالأغنام نشاطا يعوّض اللعب في منطقة تكاد تكون منسية لولا أثرها على الخارطة التونسية. الشروق مكتب الساحل تنازل الطفلان عن اللهو ليستمدا من هذا النشاط جدية جعلت أنظارهما لا تحيدان عن الأغنام وفي غفلة طفولية غابت عنهما الشياه ودخلت قلب الغابة نحو «جبل الموت»... تتبعا سيرها بالنظر ونسيت أقدامهما أن الأرض ليس الأرض وأن الإرهاب جعل منها مخبئا لقتل الحياة فكانت الفاجعة. «خرج الطفلان من منزلهما الكائن بمنطقة خلوة سيدي عبد القادر تلة السوايسية المتاخمة لجبل المغيلة من معتمدية جلمة بولاية سيدي بوزيد صباح الاثنين 29 أكتوبر 2018 في أول أيام عطلتهما المدرسية لرعي الأغنام والتي غابت عن أنظارهما وتوغلت للجبل داخل الغابة، فسبق الطفل «عربي» أخته لتتبعها فوقعت قدماه على لغم انفجر عليه أفقده ساقه فيما تناثرت الشظايا على الطفلة جواهر لتجعل منهما ضحيتين»... هكذا استرجع أب الطفلين وناس السويسي الحادثة في لقاء ب «الشروق» بمستشفى سهلول بسوسة. وحول كيفية نقل الطفلين المصابين في تلك اللحظة أضاف الأب قائلا: «سمعت دويا كبيرا خرجت لاستطلاع الأمر فوجدت ابنيّ يصيحان، أبلغنا الأمن ولكن طال وصوله فالتجأت إلى حمل الطفلين على كتفي صحبة أحد أقربائي ثم حملناهما على متن سيارة خاصة كنت قد اكتريتها فاعترضنا في الطريق معتمد جلمة ومعه سيارة إسعاف حملت ابنتي بينما ابني أخذناه إلى المستشفى على متن سيارة خاصة لصهري، ومن جلمة وقع إرسال الطفلين إلى مستشفى سيدي بوزيد ومن هناك قرروا أخذهما إلى العاصمة وفي الطريق علموا بحادثة الإرهابية التي فجرت نفسها فقرروا أن يأخذوا ابني إلى مستشفى سهلول بسوسة وأخبرونا بذلك حيث كنت أتبع سيارة الإسعاف على متن سيارة خصصها لنا والي سيدي بوزيد». العناية في المستشفى وفي خصوص المعاملة التي وجدها في المستشفى قال الأب وناس «في البداية كان الاستقبال جيدا ولكن بعد سويعات أساؤوا معاملتي حيث رفضوا أن أكون بجانب طفليّ فالتجأت للبقاء وقتا طويلا في بهو المستشفى وبعد أن خرج الخبر في وسائل الإعلام دعوني للبقاء في غرفة ابني المصاب وقضيت الليل بجانبه ومنذ اليوم الثاني خصصوا لي سريرا أنام فيه في الغرفة التي يرقد فيها ابني صحبة مصابين آخرين، وفي الحقيقة كانت العناية جيدة جدا بطفليّ من جميع النواحي وأشكرهم على ذلك». بتر ساق وخطر في العين زارت «الشروق» الطفلين والأب في المستشفى ولاحظنا عناية خاصة سواء من الإطار الطبي أو من طرف الممرضين أكّدها لنا أيضا ناظر قسم العظام السيد رشاد زغيدة الذي مكننا من زيارة الطفل عربي (12 سنة) والذي وجدناه محاطا بفريق طبي. وبخصوص وضعيته الصحية قال زغيدة «وقع الالتجاء إلى بتر ساقه اليمنى إلى جانب وجود جروح على مستوى الصدر وفي كل الحالات لا تشكل أي خطورة على حياته فهو سائر نحو الاستقرار أما أخته جواهر (16 سنة) فتم تحويلها إلى مستشفى فرحات حشاد قسم طب العيون لأن هناك ضررا بإحدى عينيها مع جروح في وجهها وجسمها ولا تشكل بدورها خطورة على حياتها وستجرى عليها عملية جراحية على مستوى العين هناك». ما حكاية العشرة دنانير؟ وحول ما صرّح به والد الطفلين بأن والي سوسة أعطى لابنه 10د أثناء زيارته قال الأب وناس «في الحقيقة لم أشاهد ذلك ولكن أحد الموجودين في الغرفة وهو من المرضى مقيم في نفس الغرفة أخبرني بذلك فلم أشاهد عشرة دنانير ولا أعتقد ان الوالي قام بذلك فالجميع ساعدوني وقدموا لي أموالا منهم رجال الأمن بمنطقة الأمن بسوسة سلموا لي 1100 دينار وعديد من المواطنين والمسؤولين وكذلك والي سوسة خصص لي مساعدة مالية شهرية ومكنني من دفتر علاج ومساعدات أخرى ,إلى جانب الاهتمام الكبير الذي أحظى به في المستشفى ورعاية المسؤولين من جهة سوسة وبالنسبة للحكومة لم أتلقّ إلى حد الآن أي مساعدة». الوالي يتفاعل اتصلت «الشروق» بوالي سوسة السيد عادل الشليوي والذي استغرب من حكاية العشرة دنانير قائلا «مثل هذه الحكاية لا يصدقها أي عاقل كيف لي أن أزور الطفلين وأعطيهما عشرة دنانير أيعقل مثل هذا التصرف؟ لا ألوم الأب على أقواله نظرا لوضعيته النفسية الصعبة وكان من المفروض التحرّي في الأمر من طرف الذين نشروا الحكاية، بالعكس منذ أن سمعت بالحادثة اتصل بي والي سيدي بوزيد والذي وفر كل الإمكانيات للإحاطة بالمصابين وبأبيهما وسلمه مبلغا ماليا للتصرف فيه إلى جانب توفير سيارة خاصة نقلته إلى سوسة ,ومنذ أن قدما إلى مستشفى سهلول كنت أتواصل مع مدير المستشفى والإطارات الطبية والذين وفروا كل الظروف الملائمة لعلاج الطفلين ومكنّا الأب من وضعية مريحة للإقامة مع طفليه وقمت بزيارة الطفلين إضافة إلى الاتصالات العديدة في اليوم بالإطار الطبي قصد الاطمئنان على صحتهما». وأضاف الوالي لقد خصصت رئاسة الحكومة منحة شهرية للعائلة وعدة مساعدات كذلك ووفرنا كل ما يلزم للأب إلى جانب المد التضامني للمواطنين في سوسة وللأمنين والذين جمعوا للأب مبالغ مالية محترمة وعدة مساعدات».