(الشروق) مكتب سوسة تغطية: ياسين بن سعد وأنيس الكناني حالة طوارئ بأتم معنى الكلمة عاشها المستشفى الجامعي سهلول بسوسة مساء الجمعة، فالتعليمات صدرت الى العاملين بقسم الاستعجالي حتى يتفرّغوا لاستقبال الجرحى القادمين من موقع الفاجعة.. كانت سيارات الاسعاف تتوافد تباعا دون أن تربك الاطار الطبي وشبه الطبي الذي عمل بكفاءة عالية مكّنت أغلب المصابين من مغادرة المستشفى والعودة الى بيوتهم.. في زحمة هذا الجهد الانساني المتميز بقيت بعض الحكايات المؤثرة جدا كحكاية الشاب (الطفل) عماد بوفايد أصيل القلعة الكبرى (16 سنة) الذي أدخل الى الاستعجالي على الساعة التاسعة ليلا في حالة حرجة ثم أسلم الروح بعد ساعة فقط متأثرا بالاصابات التي لحقته.. زيارتنا الى مستشفى سهلول مكّنتنا أيضا من الوقوف على قصة أخرى رواها لنا السيد لطفي الغالي القيّم بقسم الاستعجالي واغرورقت عند روايتها عيناه بالدموع.. هي قصة «الشاف» نبيل قرطاس العامل بالمصنع الذي زار قبل أيام المستشفى للخضوع الى العلاج بعد إحساسه بآلام في الظهر.. نبيل كان في عطلة مدتها 8 أيام قطعها ليعود الى العمل وكأنه ذهب ليلاقي قدره هناك..وتوفي نبيل وخلف في قلوب الأهل حرقة كبيرة.. لكن تلك هي المقادير لا تقدم حياة الانسان ولا تؤخرها دقيقة واحدة.. في مستشفى سهلول أكد لنا المسؤولون زيارة السيد منذر الزنايدي وزير الصحة العمومية للمصابين قصد مواساتهم والاطمئنان على توفر كامل الرعاية والامكانات لتجاوز مخلّفات هذه الفاجعة.. تحدثنا أيضا لبعض الناجين والاطار الطبي والبداية كانت بالشاب منير البلهوري (أصيل سيدي بوزيد).. أصيب بكسور في القفص الصدري.. هو عامل بناء كان ساعة الحادثة فوق «الدالة».. يقول: «فجأة، تهاوت البناية» أحسست في تلك الثواني بأنها «رخّت» كنت في أعلى البناية ووجدت نفسي في الأسفل مختلطا بالحديد والاسمنت.. لحسن حظي كنت في الأعلى والا لكنت ربما مدفونا حتى الآن تحت الركام.. منير أكد لنا أنه كان متواجدا فوق سطح المبنى مع المقاول وسائقه الخاص ولم يكن هناك عمال آخرون معه.. ثم توقف برهة عن الكلام وكأنه يستعيد تلك الثواني المرعبة وأضاف: «الحادث أودى بحياة «أولاد عمي» علي وعبد السلام الخضراوي». في نفس الغرفة التي يخضع فيها منير للعلاج تحدثنا للشاب فتحي شبح (29 سنة) أصيل القلعة الكبرى.. فتحي بدا لنا غير مصدق أنه نجا وكتبت له حياة جديدة خصوصا أنه شاهد صورا مروّعة لبعض زملائه الذين قتلهم الاسمنت.. يستجمع ما علق بالذاكرة ويقول «كنت في الطابق الأول بصدد فرز البضاعة.. لن تصدّق كيف نجوت.. انحنيت للقيام بالفرز وحمل «السلعة» وهذه الانحناءة كتبت لي عمرا جديدا.. لو بقيت واقفا لقسمتني «الدالة» الى نصفين.. الارادة الالهية كتبت لي العيش.. وجدت نفسي عالقا بين طابقين وبقيت على هذه الحالة قرابة الأربع ساعات.. صحت فاستغثت فلم يسمعني أحد في البداية.. ثم فجأة جاء الفرج.. اكتشف عون الحماية مكاني.. طلبت منه أن يثقب الاسمنت ويسحبني من رجليّ أو يديّ أو أي مكان آخر في جسدي.. المهم أن يخرجني حيا.. وهو ما تم في الأخير». يؤكد فتحي ل«الشروق» أن ضوء هاتفه الجوال ال«نوكيا 1200» مكنه من الرؤية قليلا مع هبوط الظلام وبالتالي تبيّن بعض المساحة لإراحة جسده ويروي لنا أيضا كيف نزل قضيب حديدي على بعد سنتمترات منه.. وكيف تهاوت «الدالة» طبقة فوق طبقة كأحجار الدومينو.. هي لحظات رعب حقيقية وخيط رفيع يفصل بين الحياة والموت ويحيل الى معان عميقة جدا بأبعادها ودلالاتها.. في المستشفى الجامعي سهلول وقفنا إذن على كل ذلك واستمعنا الى الاطار الطبي الذي قاد عمليات الاسعاف وقد تحدثنا الى السيد لطفي الغالي والدكتورة سهام بوقديدة وهذه شهادتهما: لطفي الغالي (قيم قسم الاستعجالي): بدأنا باستقبال المصابين بالاستعجالي ظهر الجمعة وتحديدا انطلاقا من الساعة الثانية وثماني دقائق (08 : 14) وكان أول من خضع للاسعاف الشاب وائل بلقاسم (15 سنة) وشخص آخر ثم استقبلنا دفعة جديدة من 13 شخصا تمّ نقلهم بواسطة سيارات الصحة والحماية المدنية أو عبر وسائل نقل خاصة. في حدود الحادية عشرة والنصف ليلا يوم الجمعة كان اجمالي الجرحى الذين استقبلهم قسم الاستعجالي في حدود 25 شخصا أغلبهم تلقى العلاج اللازم وغادر المستشفى فيما بقي آخرون تحت المراقبة في الأقسام المختصة مثل قسم العظام (4 أشخاص) وأدخل مصاب واحد الى قسم العناية المركزة علما أن أغلب الاصابات تتمثل في كسور أو رضوض بسيطة. أودّ أن أتوجّه بالشكر الى كل الاطارات التي تجندت لتأمين عمليات الاسعاف في أفضل الظروف الممكنة وأخصّ بالذكر المدير الجهوي للصحة ومدير المستشفى وكافة أعضاء الكادر الطبي والاداري الذين رابطوا في أماكن عملهم من الصباح الى ساعة متأخرة من الليل. الدكتورة سهام بوقديدة: منذ اللحظات الأولى لإعلامنا بالاستعداد لقبول مصابين تمّ تسخير كافة الامكانات بقسم الاستعجالي.. بذلنا رفقة الدكتورة فوزية بن مبروك والطبيب المقيم زياد مزڤار أقصى الجهود للعناية بالجرحى قبل أن تصل التعزيزات من كل الأقسام بأطباء مبنّجين وجرّاحين واطار شبه طبي وعلى الرغم من أنه طُلب منا إعطاء الأولوية المطلقة لضحايا حادث انهيار البناية فإننا نجحنا في قبول الحالات العادية وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على كفاءة الاطار الطبي بمستشفى سهلول. أما في ما يخص نوعية الحالات التي أسعفناها فقد تميزت في أغلبها بكسور متفاوتة الخطورة في العظام بعد سقوط قطع من «الدالة» على العمّال. لا بدّ من التأكيد أيضا على أننا حصلنا على الامكانات الاضافية التي طلبناها من حيث التجهيزات وغيرها وإدارة المستشفى وجميع المسؤولين حيثما كان موقعهم يستحقون التحية على هذه الوقفة. هوامش من اليوم الثاني علمنا من مصدر موثوق بصحته انه تم ايقاف المشرف على أشغال الطابق المضاف للمصنع مع العلم بأن هذا المصنع يتكون من طابقين: طابق أرضي يحتوي على مصنع النجارة الخاص بصنع الأثاث والطابق العلوي وهو معد لعمليات الدهن والتزويق والطابق الثاني بصدد البناء، وحسب ما جاء على لسان أحد المختصين في مجال البناء والذي وجدناه على عين المكان، فإن الانهيار انطلق من الطابق الارضي الذي لم يتحمل الثقل وبالتالي انهار بما فوقه. بالاضافة الى مختلف المصالح والمؤسسات المشاركة في عمليات الانقاذ والى جانب ما تم توفيره من آليات للحماية المدنية ووزارة التجهيز والبلديات والجيش الوطني، تم ايضا تسخير آليات وأعوان الشركة التونسية للشحن والترصيف التي سخرت معدات ضخمة لإجلاء ركام المصنع المنهار. السيد المنجي اللواتي، المدير العام للحماية المدنية أشرف بنفسه ومنذ عشية الجمعة اي مباشرة بعد انهيار المصنع على ادارة عمليات الانقاذ وازالة الركام والبحث عن المفقودين. بحلول الساعة الواحدة بعد الظهر من اليوم الثاني للكارثة، وفي عملية جريئة وشجاعة من أعوان الحماية المدنية تابعتها «الشروق» على عين المكان، ثم انتشال جثة أحد العاملين بالمصنع وهو المرحوم فتحي الميراوي (45 سنة) متزوّج وله بنت عمرها سنة ونصف أصيل سيدي عمر من ولاية القيروان ويقطن رفقة عائلته بمدينة القلعة الكبرى... هذا ما جاء على لسان شقيقه الذي كان حاضرا على عين المكان وتعرّف على جثة أخيه. عملية رفع الركام كانت تتم وفق برنامج مدروس خوفا من انهيار آخر لا قدّر ا& لمصنع مجاور... العملية تبدأ بإزالة فواضل البناء بواسطة آليات الجيش الوطني والشركة التونسية للشحن والترصيف، ثم تتدخل الجرّافات التابعة لوزارة التجهيز والاسكان وايضا البلديات لرفع الأتربة والركام ونقله الى مكان تم تخصيصه للغرض لتتولى الشاحنات نقله بدورها، ثم تتكرر العملية وفي الآن ذاته يتدخل أعوان الحماية المدنية بواسطة الكاشفات الضوئية لمراقبة ما تحت الركام عبر ثغرات تم فتحها للغرض للتثبت من عدم وجود ضحايا او مصابين. برافو لأعوان الأمن والحماية المدنية والجيش الوطني وايضا لكل من شارك في عمليات الانقاذ والاجلاء التي انطلقت منذ ظهيرة أول أمس الجمعة مباشرة اثر انهيار المصنع وتواصلت كامل الليل وايضا كامل يوم أمس السبت والى حدود كتابة هذه الأسطر لا تزال عمليات رفع الركام متواصلة. حصيلة القتلى ترتفع الى 8 وعمليات الانقاذ تواصلت حتى يوم أمس تواصلت عمليات البحث والانقاذ في موقع انهيار بناية تابعة لمصنع أثاث بحمام سوسة لما بعد ظهر أمس بحضور السلط الإدارية والامنية وكافة المصالح المعنية، وقد عاينت «الشروق» المجهودات المبذولة لانتشال آخر العالقين تحت الانقاض، علما بأن حصيلة شبه رسمية استقيناها من مصادر طبية وغير طبية تشير الى سقوط 8 قتلى آخرهم تم اخراجه بعد منتصف نهار أمس السبت. هذا ونشير الى ان بعض الغموض يشوب عملية التوسعة التي خضع لها المبنى المنهار وتباشر السلطات القضائية حاليا التحقيقات لتحديد المسؤوليات كاملة وكشف كافة الملابسات التي أدت الى هذه الفاجعة.