ازاء التقلبات العديدة التي تعيش على وقعها خارطة التوازنات السياسية وأمام تعاظم التجاذبات السياسية من يوم الى آخر يبقى السؤال الجوهري الذي يشغل الرأي العام هو كيفية تنقية المناخ السياسي وتهيئة الظروف الملائمة لاجراء الانتخابات القادمة على الأقل. تونس الشروق: ولا يكاد المشهد السياسي يستقر على أرضية تقلل من الضبابية وحدة التوترات حتى تعيد الاحداث المتواترة والمتسارعة قلب المعطيات من جديد وسط صراع سياسي معقد يبرز منه معطى واضح يكمن في حمى السياق الانتخابي التي باتت أعراضها جلية في سائر الاحداث السياسية الى درجة تبعث عن الخيفة، فهل من سبيل اليوم لتنقية المناخ السياسي؟ إصلاح وضع النداء وتبدو الازمة السياسية في ذهن البعض على علاقة مباشرة بما يجري داخل نداء تونس حيث يقترح أصحاب هذا الرأي ان يمر الحل ضرورة من «البيت الندائي»، وفي هذا السياق يرى رئيس ودادية قدماء البرلمانيين عادل كعنيش في تصريحه «للشروق» ان الوضع السياسي بات معقدا ومقلقا حيث لا يمكن توقع وجود حكومة قادرة على تسيير الشأن العام بشكل مرضي في الايام القادمة، موضحا ان الازمة السياسية في حد ذاتها شديدة التعقيد. ويضيف كعنيش انه لابد من مصالحة داخل مكونات العائلة الندائية لاحداث التوازن الذي يمر ضرورة عبر الحوار والتوافق فيما بينها لتلافي الخلافات التي من شأنها زيادة منسوب التوتر والتشتيت، إضافة الى ذلك يقترح عادل كعنيش رجوع كافة الاطراف الى الحوار في أقرب الآجال الممكنة وذلك بعد تعليق مشاورات مسار قرطاج 2 حيث أنه في المحصلة لا تبدو برأيه الاطراف السياسية الموجودة اليوم قادرة على تكوين الحكومة في هذا المناخ المتوتر ولا يمكن أيضا ان يتواصل الانقسام داخل العائلة الندائية. العيش المشترك ومن جانبه يشدد الناشط السياسي والنائب السابق رابح الخرايفي على ضرورة تفكيك أسباب توتر المناخ السياسي للوصول الى توليفة قد تساعد على التقليل منه، حيث يرى محدثنا ان المناخ السياسي التونسي متوتر منذ سنة 2011 وأسبابه عديدة ومتداخلة منها السياسي ومنها الاقتصادي ومنها الاجتماعي ومنها الامني ومنها الاديولوجي. ويرى الخرايفي انه ومنذ أن فازت حركة النهضة في اولى انتخابات 2011 بالمجلس الوطني التأسيسي دخل عنصر توتر عنيف في المجتمع التونسي حيث وجدت النحبة الليبرالية المؤمنة بالدولة المدنية والحريات العامة والفردية نفسها حينها خارج الحكم والفعل السياسي واتخاذ القرار وانتقل ذلك الى فريق مختلف تماما على تلك النخبة يؤمن بمرجعيات فكرية اسلامية تناقض مرتكزات الدولة وظهر هذا من خلال ما ارادت فعله حركة النهضة عند وضع الدستور حيث ارادت ان يكون المجتمع التونسي اسلاميا رغم انه مسلم. هذا التوتر يراه الخرايفي في تطور متذبذب وقد وصل الى حد التصادم العنيف لولا فهم حركة النهضة للوضع وقبولها بالدولة المدنية، وحينها لم تقبل لا حركة النهضة ولا النخبة الموصوفة بالحداثية افكار بعضهما وأصبح كل طرف ينظر الى الطرف الآخر من زاوية الاقصاء والاستئصال وهذا السبب الكبير والرئيس في التوتر السياسي وهو مستمر طالما ان حركة النهضة قادرة على الفوز في الانتخابات التشريعية. ويخلص الخرايفي الى ان تجاوز هذا الامر وتنقية المناخ السياسي يتطلب ادارة هذا المشكل عبر قواعد العيش المشترك بوصفها القاعدة التي تضمن لنا الاختلاف في التفكير من داخل القواعد الدستورية النافذة وهي الدافعة الى التنافس بدل التصارع. حكومة كفاءات وطنية ومن جانبه يرى الناشط السياسي عبد الواحد اليحياوي ان مكمن الازمة السياسية في حالة الوهن التي تعيش على وقعها الاحزاب السياسية والتي طبعت التجربة الديمقراطية في تونس بالضعف قبل ان تنعكس عليها الازمة قياسا بالانقسامات داخل نداء تونس والخلافات داخل النهضة والمرجحة للتطور لولا حالة الخوف السياسي وماحدث مع احزاب آفاق تونس والوطني الحر ومشروع تونس. ويري اليحياوي ان الازمة السياسية قطعت أشواطا كبرى في التأزم بعد ان باتت شرعية الحكومة محل تشكيك من قبل العديد من الاطياف السياسية سيما وان وضعية خروج الحزب الفائز(نداء تونس) من مشاورات التحوير تعد سابقة تاريخية ومفارقة في النظام السياسي تؤشر بوضوح على غرابة الازمة السياسية في حد ذاتها. ويقترح اليحياوي في سياق بلورة توليفة تنقيح المناخ السياسي الاتفاق أولا على شروط موضوعية يلتزم بها الجميع قصد الذهاب الى الاستحقاقات الوطنية 2019 وان يكون ذاك الموعد تاريخ بدأ تحقيق الاصلاحات الممكنة القيام بها حين تتقدم الاطراف المشاركة ببرامج واضحة يمكن تنفيذها بعيدا عن مهاترات الاستقطاب والتعبئة الانتخابية وبعيدا عن إعادة إنتاج مناخات سنة 2013. ويشدد اليحياوي على ان الحكومة اصبحت اليوم جزء من التجاذبات السياسية الى درجة التشكيك في شرعيتها طالما تواصل رفض طلب الذهاب الى البرلمان مقترحا في هذا الصدد تشكيل حكومة كفاءات وطنية ليس في برنامجها سوى مواصلة تسيير الشأن العام و توفير الظروف الملائمة للانتخابات القادمة بينما يعكف كل من يريد الترشح الى الانتخابات القادمة على تحضير برامجه الانتخابية في مناخ من المنافسة المتكافئة بعيدا عن اشكال التحريض المتبادل. الحل لا يأتي من أصحاب المشكل في المقابل يرى امين عام حزب حركة الديمقراطيين الاجتماعيين والنائب احمد الخصخوصي أن بداية الحلول تكمن في الاصداح بالحقيقة وأن الحقيقة الثابتة هنا انه لا يمكن انتظار الحل من أصحاب المشكل، معتبرا ان النخب المتصارعة على الحكم غير مهتمة اطلاقا بمشاغل الناس وانتظارتها وهم في رأيه :«كالمتحاربين الذين لا تصيب سهامهم سوى أهدافهم الخاصة». ويخلص الخصخوصي الى ان النخبة المتصارعة على الحكم غير مهتمة سوى بالتموقع وتصفية الحسابات الضيقة وأن هذه الازمة هيكلية زاد في تعميقها النظام السياسي المعتمد والذي يفترض وجوده سوى في مناخات متشعبة بالديمقراطية وكذلك غياب النضج السياسي والاخلاقيات السياسية وانعدام شعور الانتماء الى الوطن غالبا وكل ذلك يزيد من تواصل الازمة في رأيه. وفي المحصلة يخلص المراقبون ان مختلف تمظهرات الصراع السياسي المحتدم يوما بعد يوم باتت تبعث على إعادة انتاج الصراع السياسي الدائر في سنة 2013 والذي تطلب انهاءه مضي الجميع في خيار الحوارالوطني، فان تختلف الظروف والاسباب والمسببات بين المشهد السياسي الحالي والمشهد السياسي السابق لانتخابات 2014 فان مجمل الحلول لا يمكن ان تمر الا عبر توسيع المشتركات الدنيا وعبر الحوار لتجنب المزيد من التصادم وحدوث مالا يحمد عقباه.