فيما تجاوزت مديونية الدولة 75 مليارا ونزل احتياطي العملة الصعبة الى مستويات مخيفة يرشح سؤال كبير من يحمي الاقتصاد الموازي الذي كان سببا مباشرا في تفقير الدولة والمواطن وبوادر انقراض الدينار. «الشروق» تونس سؤال زادت في تعريته خلال الآونة الأخيرة التفاعلات حول «حادثة سيدي حسين» غرب العاصمة حيث تم إيقاف أفراد الدورية الديوانية التي قامت بمداهمة مخزن للسلع المهربة فيما لم يتم مجرد ذكر الطرف الرئيسي في هذه الحادثة وهو «المهرب» الذي يمتلك عشرات المخازن الموزعة على عدة مناطق من البلاد. وبقطع النظر عن ملابسات وفاة الشاب «أيمن» الذي هلك في ريعان الشباب مخلفا جرحا غائرا في وجدان أفراد عائلته وهي ملابسات سيحسمها القضاء فإن اهمال «لاعب اساسي» في هذا الملف يدفع آليا الى التساؤل هل ان الاقتصاد الموازي الذي يكاد يسقط البلاد على ركبتيها هو فوق القانون؟ مصب فواضل قال لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك انه لا توجد ارادة سياسية كافية لتجفيف منابع الاقتصاد الموازي مشيرا الى ضرورة غلق كل المنابع التي جعلت هذا القطاع يرتفع في سنوات قليلة من 20 %الى أكثر من %50 من النشاط الاقتصادي. ولاحظ في هذا الصدد أن الحكومة اتخذت عدة تدابير لفرملة التوريد المكثف من عدة بلدان مثل تركيا وجنوب آسيا لكنها لم تعتمد أنجع سلاح وهو تشديد الرقابة الفنية عند التوريد التي من شأنها ان تقصي نحو ٪70 من هذه الواردات باعتبارها متدنية الجودة وتمس سلامة المستهلك من خلال احتواء عديد المنتوجات الموردة من هذه الدول على مواد كيميائية مسرطنة. مغالطة الرأي العام كما انتقد في هذا الاطار مغالطة الرأي العام من خلال اعلان وزيري الفلاحة والتجارة منذ عام ونصف عن تحجير توريد «القلوب البيضاء» فيما عمليات التوريد تتواصل بنسق عادي الى اليوم؟كما كشف ان طريقة العاطي مع الحرب على الفساد وأساسا رفع ملفات المراجعة الجبائية المعمقة التي قام بها جهاز الأبحاث الديوانية تفرغ هذه الحرب من محتواها بالنظر الى أن بطء اجراءات التقاضي التي قد تتطلب عدة سنوات يحول دون استخلاص آلاف المليارات التي ابتلعها المهربون ومن ثمة لن يتحقق الهدف الأساسي لهذه الحرب وهو شل شبكات التهريب وخلص لطفي الرياحي الى التأكيد على أن التعاطي الحالي مع منظومة الاقتصاد الموازي يهدد بحصول أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة خلال المدة القادمة ناتجة عن انزلاق أخطر للدينار التونسي بفعل اختلال التوازن بين عائدات وتحويلات العملة الصعبة بفعل ارتفاع أعباء خدمة الدين الخارجي وتدهور القطاعات الانتاجية بسبب تغوّل الموازي. قانون الطوارئ ودعا من هذا المنطلق الى تفعيل قانون الطوارئ في تفكيك البنك المركزي الموازي الذي تمتلكه مافيا التهريب وتنفيذ نتائج المراجعة الجبائية المعمقة على أنشطة المهربين بالتوازي مع اعتماد سياسة تقشف مشددة لإصلاح اوضاع الميزان التجاري مشددا على أنه في غياب هذه الاجراءات فإن المستهلك يتهدده شبح الجوع بفعل التداعيات التي يمكن ان يفرزها اي تدهور آخر لقيمة الدينار. ضرب أسس الاقتصاد في ذات السياق أكد طارق الشريف رئيس منظمة الأعراف «كوناكت» ان الاقتصاد الموازي ليس فوق القانون ولكنه لا يخضع للقانون ملاحظا ان الاقتصاد الموازي موجود تقريبا في كل الدول بنسب ضعيفة لكن تغوّله بهذا الشكل في تونس بعد ان بلغ ٪54 من الاقتصاد الوطني أصاب الاقتصاد التونسي بتشوهات هيكلية خطيرة أهمها ملامح اندثار الصناعة التي قامت عليها التنمية في تونس لعدة عقود وهو ما ينعكس بالضرورة على القدرات التصديرية للبلاد بشكل سيزيد في تأزيم وضعية الميزان التجاري ويؤدي الى انزلاق أسرع للدينار تجاه العملات الأجنبية. وتابع أن تغوّل الاقتصاد الموازي ضرب أسس الاقتصاد الوطني والتوازنات المالية الكبرى وحوّل الاستثمار في الصناعة الى مغامرة تتطلب الكثير من الشجاعة مشيرا الى أن معالجة فقر الدولة الناتج عن تغوّل الموازي المنظم سواء الصناعي او التجاري يزيد في توسيع المساحات أمام الموازي وتدهور أسس الاقتصاد الوطني. وتابع طارق الشريف ان الجباية في ظل هذا الوضع تحوّلت الى أداة لافتكاك أموال من يحترم القانون وهو ما يضعف جاذبية مناخ الأعمال في تونس. أحزاب يموّلها الموازي في المقابل اعتبر «زهيّر حمدي» الأمين العام للتيار الشعبي أن معالجة قضية تغوّل الاقتصاد الموازي ممكنة وسهلة لكن لا توجد إرادة سياسية لمحاربة هذا القطاع لأن بارونات الموازي هم من يصنعون الحياة السياسية في تونس. وتابع ان مكوّنات الائتلاف الحاكم لا يمكنها محاربة القطاع الموازي لأن اموال هذا الأخير هي التي أوصلتهم الى الكراسي وهو ما يفرز عدم اتخاذ اي خطوة عملية للقضاء على القطاع الموازي الذي أصبح بمثابة الأصل فيما تحوّل الاشتغال في القطاع المنظم الى استثناء. وشدّد على أن تواصل احتكار الموازي لهذه المساحات يتهدد البلاد بالتدحرج الى سيناريوهات أخطر خاصة على الصعيد المعيشي بفعل فرضية مزيد تدهور قيمة الدينار ملاحظا ان تغوّل الموازي وراء تفاقم ازمة الميزان التجاري من خلال ارباك قطاعات الانتاج ومن ثمة الواردات التصديرية للبلاد مقابل استنزاف العملة الصعبة عبر اغراق البلاد بالواردات الاستهلاكية. وخلص الى التأكيد على أنه بالامكان على المدى القريب التقليص بنحو 50 بالمائة في النشاط الموازي لكن غياب ارادة سياسية حقيقية يعطل تفكيك هذا العالم.