الشيء المؤكد هو أن مشكل تونس الجوهري، وغيرنا من أشقاء الربيع العبري، هو مشكل سياسيٌ بإمتياز يتمثل في عدم الإهتداء الى أداة حكم متوازنة رشيدة...ولكي نفكك المشكلة أكثر نحتاج طرح السؤال :هل الصراع في تونس صراع حزبي؟ والجواب هو: الصراع ليس حزبيا وإنما اديولوجيا!!( اديولوجي ممزوج أيضا "بشوائب"،وهي طفيليات لا ناقة لها ولا جمل، وإنما تواجدت في صدارة المشهد السياسي اعتمادا على إمكانيات توفرت لها..ولكن هذه "الشوائب" تزيد الأمر خطورة لأنها كمن يمتهن شهادة الزور فيعرض نفسه لمن يدفع او يقدم وعودًا). والصراع الأيديولوجي طبعا أخطر بكثير من الصراع الحزبي الذي يعتبر أمامه "مجرد منافسة أخوية".فالصراع الأيديولوجي يضمر عقلية "الإبادة"، هو شبيه بالصراع الطائفي أو العرقي ، هو إذن ابعد ما يكون عن الديمقراطية!... وحل المعضلة يستوجب إنهاء هذا الصراع الأيديولوجي اأو الطائفي !... ولبلوغ هذا،فإما ان نعزل كل السياسيين ونتخلى عن الديمقراطية جملة وتفصيلا وهذا مستحيل إلا بإنقلاب عسكري( وتوجد طريقة أخرى وهي :دفع الشعب الى عدم انتخابهم. وهذا ايضا مستبعد لأنه من الصعب اقناع الشعب كله لاسيما وأن الأيديولوجيين هم المسيطرون على الإمكانيات الإعلامية..) الحل هو إذن بالإقرار بوجود هذا الإختلاف ولكن إعتماد آلية تمنع التصادم بين الاقطاب الايديولوجية ، وأسهلها يكون بالمساواة التامة في التمثيل النيابي بين مختلف التيارات !!! واذا اعتمدنا هذه الآلية فأول مرحلة هي بكل تأكيد أن يحدد كل حزب التيار السياسي الذي يتموضع فيه ،فلا يحق له ابدا الحياد عنه !. أما كيفية تحديد التيارات السياسية فالأمر بشكله العام لا يخرج كما في كل بلدان العالم تقريبا عن الثنائية: يسار/ يمين، بمعنى : اشتراكي/ ليبرالي وما بينهما من تيارات وسطية ومنها وبحسب تموقعها انطلاقا من اليسار الى اليمين : التيار القومي والتيار الديمقراطي وما يسمى التيار الإسلامي( فكلنا مسلمون! ).كما لا يفوتنا أيضا التيار الدستوري،وهذا اعتبارًا لرمزيته وأيضا لتواجده الفعلي الآن بالبلاد، فلا يعقل تهميشه... والفكرة المقترحة هي إذن تقسيم البرلمان بين هذه التيارات الستة بالتساوي( مثلا 10مقاعد لكل تيار،فيكون مجموع السياسيين 60)وربما يستحسن تأثيث البرلمان بطيف إضافي خاص بالخبراء المستقلين وحتى ايضا بالمجتمع المدني. أما آلية تنصيب هذه الشخصيات ال180( التي ستمثل البرلمان) فتكون البداية أولا بتنصيب طيف السياسيين،وربما تكون بالتزكية الشعبية المباشرة لكن بشروط( ومنها مثلا:الإستظهار ب100 تزكية فقط، لكن من كل ولاية!..وضرورة ان يكون كل من قدم تزكية من نفس التيار السياسي ،ومستعد للمساءلة لاحقًا!!..).وبهذا يتحول التطاحن بين التيارات الى مجرد منافسة بين احزاب نفس التيار للحصول على اكثر التزكيات. وإذا تم تنصيب الطيف السياسي، يقوم هو بتحديد طيف الخبراء المستقلين بشكل ديمقراطي عبر انتقاء الخبراء الذين عليهم اجماع اكبر.ثم لاحقا يشتركان معا بنفس الطريقة لتحديد افراد طيف المجتمع المدني( انظر مقالي: تورس: ما اشبه الليلة بالبارحة)... أما الذين يستهجنون هذا الأسلوب بإعتباره "بدعة" نسألهم : ألم تعتمدوا انتم التوافق الذي به أصلا تم اسقاط حكومة الترويكا، ولم تتخلوا عنه في سائر الحكومات التي تلت ،ولم تنفع مقولة "خطّان متوازيان لا يلتقيان"؟؟..فإذا كان التوافق هكذا لا مناص منه،فلمذا لا تدخلون إليه من بابه الواسع؟؟لمذا تنهكون البلاد والعباد بالإنتخابات ولا تختصرون المسافة وإنما تتبعون الحكاية الشعبية" قال له أين أذنك؟فأشار إليها ،لكن بعد إن أدار ذراعه حول عنقه دورة كاملة!... ختاما: لقد اثبتت الأحداث بجميع اقطارنا ( ومنها الجزائر خلال العشرية السوداء!..) أن الديمقراطية كالإفعى،لكن مكمن سمها في المحاصصات!.. يقال أن الإفعى أوحتى الثعبان السام يمكن ان يعتمد للشفاء: نقطع من ذيله شبرا ونفس "الكميّة" من رأسه!.. قضية النظام الرئاسي: بعكس المطالبين به،الأفضل هو مزيد التقليص من صلاحيات الرئاسة! فبحسب عقلية التجاذبات والحسد والأنانية المستشرية وغياب شخصية كاريزمية حقيقية إلخ..كل هذا لا يترك مجالا للقبول بشخص واحد يستأثر بسلطة تضاهي البرلمان اوحتى تفوق.فما لم يتم التقليص من صلاحياتها فستستمر هي بدورها مصدرا للسم الزعاف...لكن لو يتم التقليص فعندها فقط يستحسن أن تستمر بالإنتخابات الحرة المباشرة ..