سيظلّ إعلان الإضراب العام في الوظيفة العمومية الذي أعلنه الاتحاد العام التونسي للشغل أمس واحدا من أبرز الأحداث التي عاشتها تونس منذ 14 جانفي 2011 وذلك لعدة اعتبارات، أوّلها أن هذا الإضراب يعيد التذكير ببعض فصول التأزّم والتوتّر في العلاقة بين اتحاد الشغل والسلطة السياسية والتي كان لها دائما انعكاسها المباشر على الوضع السياسي والاجتماعي. ثانيها، أن هذا الإضراب يمثّل إلى حد ما تغييرا في الموقف السياسي للاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان منذ رحيل الرئيس الأسبق بن علي أقرب إلى مساندة الحكومات منه إلى رفع لواء المعارضة... وبهذا الإضراب يتحول الاتحاد العام التونسي للشغل إلى رأس حربة القوى والحركات الباحثة عن إسقاط الحكومة بل إن اتحاد الشغل يدخل بهذا الإضراب حسب تصريح أمينه العام نورالدين الطبوبي في اللعبة السياسية من بابها الواسع باعتباره معنيا بخوض غمار الانتخابات التشريعية والرئاسية... وهذا ما سيغيّر إلى حد كبير من طبيعة المشهد السياسي... وقد تتأثّر بذلك عدة أحزاب وقوى سياسية هي أقرب إلى اتحاد الشغل. ثالثها، أن هذا الإضراب سيعمّق القطيعة بين حكومة الشاهد وقيادة اتحاد الشغل... وهو ما سيطرح أسئلة حول الكيفية التي ستتطوّر وفقها الأوضاع خلال المرحلة القادمة وانعكاساتها على حكومة يوسف الشاهد واتحاد الشغل الذي يتساءل الجميع حول استراتيجيته في المرحلة المقبلة خاصة أن الإضراب يعتبر أكبر درجة تصعيد ممكنة حاليا. رابعها أن هذا الإضراب بكل تفاعلاته هو رسالة موجهة إلى الدوائر المالية والدولية التي تعتبر أنه لا بد من عدم الزيادة في أجور الموظفين.. والأكيد أن هذه الدوائر ستكيّف سياساتها حسب قراءاتها لوقائع الإضراب العام... ومهما كانت هذه القراءة فإنه من أكبر المفارقات أن نعيش في ظلّ شعارات الحرية والكرامة على وقع تدخل متزايد في الشأن الوطني... وهو ما يحيلنا إلى لبّ المشكل الذي يتمثل في أننا لم نشرع منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق في تبني نمط تنمية يضع حدا للتضخّم ويحدّ من الاحتكار ويقحم الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المهيكل. وفي اعتقادنا فإن الإضراب العام الذي عاشته تونس أمس كان حاملا أيضا لرسائل إيجابية يمكن أن تكون منطلقا للمستقبل، إذ خلا هذا اليوم من كل التجاوزات الممكنة، وكان بعيدا كل البعد عن تلك الأحداث التي عرفتها تونس في جانفي 1978. ولا شكّ أنه يمكن الانطلاق من هذا المعطى والبناء عليه من أجل فتح باب التفاوض والحوار بين الحكومة واتحاد الشغل من أجل المصلحة الوطنية ومن أجل إفشال مساعي كل الذين يتربصون ببلادنا ويريدون جرّها إلى مربع الفوضى.