تعيش الحياة الوطنيّة على وقع تطوّرات مُتسارعة تُنبئ باشتداد الصراع السياسي وانفتاحه على سيناريوهات غير مُحبّذة في سياق حاجة البلاد إلى الاستقرار والتهدئة وتوفير المناخات الملائمة لإنفاذ مشاريع الإصلاح وإنقاذ الاقتصاد الوطني واستكمال استحقاقات الانتقال الديمقراطي وإجراء الانتخابات العامَّة المقرّرة نهاية العام المقبل. لقد تحوّلت الممارسة السياسيّة، لدى غالبيّة الأطراف، الى معارك تُشحذُ فيها كلّ السكاكين وتُستدعى فيها كلّ الأدوات والأساليب الممكنة والمُتاحة من أجل التموقع وتصفية الحسابات، القديمة والمستجدّة، بعيدا عن هموم البلاد وشواغل الناس. والواضح أنّ المشهد الوطني ذاهبٌ - إذا لم تُغلّب الحكمة والعقل والمصلحة العليا للبلاد- إلى المزيد من الانحراف في اتجاه اعادة استنساخ مظاهر الفتن والأحقاد والاستقطابات المغشوشة، الإيديولوجيّة والعقائديّة وغيرها، والتي سبق أن عرفتها بلادنا إبَان الثورة وبالخصوص سنة 2013 وهدَدت بشكل كبير السلم الأهلي وأوشكت أن تُوقع صداما وانقساما مجتمعيّا خطيرا. السيناريوهات التي تعملُ عدّة أطراف على الدفع لوقوعها، سيناريوهات كارثيّة دونما شكّ لأنّها سيناريوهات تستهدفُ قيم الحريّة والتعدديّة والديمقراطية التي جاءت بها الثورة، ناهيك عن ضرب أسس الأمن القومي المطلوب، وتخلُط في أولوياتها بين المعطى الحزبي وحتى الشخصي الضيّق والمعطى الوطني في تجاهل غريب للوضع الدقيق الذي تمرّ به البلاد، اقتصاديا واجتماعيا. كلّ المؤشرات، من تصريحات ومواقف وبيانات وتحرّكات، تشي بأنّ الفرقاء السياسيّين، على مستوى السلطة التنفيذيّة والأحزاب والمنظمات الوطنيّة والنخبة، فقدوا بوصلة الحكمة والاتزان المطلوبين لمعالجة الوضع الصعب وأساسا تجاوز مخلَّفات الأزمة السياسيّة، التي أعقبت تعليق مشاورات وثيقة قرطاج 2، وانخرطوا في لعبة شدّ وجذب باتت تراكم الكثير من أوجه القطيعة وتراجع منسوب الثقة المتبادل وتدفع إلى وقوع الصدام والمواجهة، لا قدّر الله. دونما شكّ، لا مستفيد من هذه المواجهة، بل الجميع خاسرون، فإذا وقع المحظور فالسقف واقع على الكلّ، وواهم من يعتقد أنّه سيكون غانما من معارك الهدم، فلن يجني غير الحطام والأشواك ووضعا أكثر تداخلا وتشابكاً وصعوبة، وربّما سيكون من باب المغامرة أو الخطإ الجسيم أن يعتقد البعض أنّه بالإمكان استنساخ تجارب الماضي، لأنّ ذلك لن يُؤدي إلاّ إلى الفوضى. انتظاريّة كبيرة اليوم لعودة الرشد وتغليب العقل والحكمة والاحتكام الى تهدئة الخواطر وإجراء مسارات الحوار المختلفة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، للخروج بالبلاد من الوضع الذي تردّت فيه وإعادة إحياء الأمل بالمستقبل الأفضل. إنّ طريق المغالبة والمُكابرة والعناد، طريق خاطئة محفوفة بالمخاطر الجمّة، وهناك من الفرص والمجالات لخفض التوتّرات الحاصلة ونزع فتيل الأزمات والأحقاد والعودة بالممارسة السياسيّة إلى مسالكها الصحيحة.