عندما قرأتُ أنّ «علي كلثوم» عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بالعيد ومحمّد البراهمي اتّهم حركة النهضة بأنّها حركة إرهابيّة وأكّد أنّه سيرفع دعوى قضائيّة في حلّها أو إيقاف عملها لمدّة خمس سنوات على معنى الفصل 7 من قانون الإرهاب إذْ هي وصل بها الأمر إلى تهديد رئيس الجمهوريّة عندما قرتُ هذا الكلام لم أعره كبير أهميّة إذ بعد 2011 صار الكلام عن القضايا والتقاضي من باب كلام بكلام إذ لم نر من الفعل ما يؤكّد كثيرا من الأقوال التي كنّا نمنّي النفس أن تتحقّق وخاصة ما يتعلّق بالقضاء والتقاضي فكَمْ من قضيّة تعلقنا بها وترقبنا نتائجها فإذا بها تحفظ أو تميّع على خطورتها و تصبح من «الأحداث اليوميّة» التي تسوقها لنا الصحف يوميّا. لكن عندما جاء الهاروني وهو رئيس مجلس شورى النهضة ليؤكّد في سيدي بوزيد أنّ التهم الموجّهة الى النهضة «هي: «تهم يريدون من ورائها حلّ النهضة» وبالربط بين القولين اتّضح لي أنّ التهم الموجّهة الى النهضة وهي امتلاكها جهازا خاصا والذي لا يمكن أن تنكره إذ اعترف بالإشراف عليه القيادي منصف بن سالم وهذا الجهاز مازال موجودا ويواصل مهامه بأدلّة هيئة الدفاع عن الشهيدين وقد أقّر الباروني أنّ هذه التهم قد تتسبّب في حلّ النهضة .فماذا بقي إذا ؟ بقي أن ترتقي هذه التهم إلى مستوى أحكام قضائيّة حتّى تنفّذ هذه الأحكام وبما أنّ الملفّ الذي قدّمته هيئة الدفاع عن الشهيدين «بالعيد والبراهمي» دسم والحجج التي يتضمّنها دامغة ولا يرتقي إليها الشك.ّ فلم يبق إذا إلّا أن تجتمع كلّ الأطراف التي تسمّي نفسها وطنيّة والتي تخاف على تونس للدفاع في اتّجاه واحد عن هذا الملفّ الذي أربك حركة النهضة وجعل كلّ قادتها تقريبا يوجّهون الأسهم الطائشة في كلّ الاتّجاهات علّهم يسكتون البعض من الأصوات التي تعالتْ من كلّ صوب وحدب مطالبة بكشف الحقيقة وعمِلتْ هذه القيادات خاصة على إخماد صوت رئيس الجمهوريّة وذلك بكلّ الوسائل منها التهديد ومنها الترغيب الذي رفع هذا الملفّ ل»مجلس الأمن القومي» .ويعتبر مقاضاة القائمين على ملفّ الجهاز السري بمثابة «المضاد الحيوي» الذي قد يشفي تونس من هذا الداء العضال الذي ابتليتْ به بعد 2011 وذلك إذا تكاتفتْ كلّ النوايا الحسنة التي لا تريد لتونس إلّا الخير حول هذا الملفّ لأنّ اليد لا تصفّق وحدها فالحيز التي يُتَدَاوَلُ فيه ملفّ الجهاز الخاص اليوم وهو «مجلس الأمن القومي» هام وقادر على وضعه في الإطار الذي يمكن معه إظهار الحقيقة هَامٌ نَعَمْ لكن يحتاج الى المساندة المطلقة من كلّ الجهات التي تخاف على مستقبل تونس من أن يرجع الحكم الاخواني من النافدة بعد أن أخرج من الباب .إنّ التحذير موجّه إلى كلّ تونسي مهما كانت اتّجاهاته السياسيّة وموجّه الى كلّ مسلم يفرّق بين الإسلام الحقيقي والإسلام الذي يروجه المتاجرون بالدين, المسلم الذي يؤمن أنّ الإسلام هو عقيدة مشتركة بين كلّ التونسيّن وأنّ الله لم يفوّض أي طائفة ولا أي جهة لتتكلّم باسم الإسلام نيابة عنه.كما أنّ كلامي موجّه خاصة الى الجبهة الشعبيّة التي كابدتْ الأمرين لإظهار حقيقة اغتيال الشهيدين بالعيد والبراهمي لكن جهودها ذهبتْ أدراج الرياح بفعل فاعل يعرفه الجميع لذلك لا يمكن للجبهة وقد وضع الملفّ في الطريق الصحيح أن لا تتفاعل مع الخطوات التي قطعها هذا الملفّ بتعلّات واهية ومواقف غير مدروسة كانت السبب الرئيسي في عدم ظهور الحقيقة لما يزيد على خمس سنين .كما فعل ذلك حمّة الهمّامي في برنامج «ميدي شو» ليوم الجمعة 30نوفمبر حيث بدون دراية لواقع صار مفضوحا اليوم في تونس ما زال يتحدّث عن التوظيف لهذا الملفّ أي أنّه لا يساند رئيس الجمهوريّة خوفا من التوظيف في حين أنّ أبجديات السياسة تدلّ على أنّ الوفاق انتهى بدون رجعة وأنّ التوظيف نفسه إن وجد سيستفيد منه هذا الملفّ الخطير وعلى الجميع أن ينحاز لهذا الموقف وخاصة من له مصلحة فيه مثل الجبهة الشعبيّة التي لو عرفتْ كيف تتعامل مع الباجي في 2014 لاستطاعتْ إقصاء النهضة الحجرة العثرة أمام ملفّ الشهيدين. وكأنّ «حمّة» بكلامه هذا يريد أن ينام ملفّ الشهيدين في الرفوف مثلما طلب من الشهيد شكري بالعيد أن ينام في قبر وقد ردّت عليه أرملة الشهيد في أوانه .ثمّ إنّ ما قاله حمّة في الباجي كان فرصة للإخواني «شكيب درويش» ليجعل منه حجّة على الباجي كي يشوّش على أفكار أرملة «شكري بلعيد» ويقطع عنها تسلسل أفكارها التي كانت تضرب بها النهضة في الصميم وقد أجابته برصانة مفحمة :» أنت خوانجي وليس لي معك كلام» معنى هذا أنّ ما قام به حمّة وجد صداه عند الإخوان المساندين للنهضة لإحباط مساعي رئيس الجمهوريّة . إنّ الجبهة الشعبيّة قد فرّطتْ في كثير من الفرص لتقصي النهضة وترفع يدها عن ملف الشهيدين لكن عَجَزَتْ عن ذلك لأسباب كثيرة أهمّها مواقف متّخذة في غير محلّها تُطلق بها أجنحة النهضة وتساعدها على ترويج أكاذيبها والخروج من المآزق التي تقع فيها. وها وكأنّ بالجبهة على لسان ناطقها الرسمي اليوم تتبع نفس المنهاج حتّى لا تُرْفَع يَدُ الجهاز السريّ عن تونس الذي هدفه بالمكشوف هو تفكيك الدولة لتسيطر عليها حركة اخوانيّة استبداديّة. إنّ مِجَازَ الناطق الرسمي للجبهة يحلّق به في أجواء لا تمُتّ الى الواقع بصلة فهو منذ 2011يخبط خبط عشواء ويصارع طواحين الرياح بدون سلاح فاعل وقد ردّ عليه زملاؤه بتحفّظ- حتى لا تظهر الجبهة غير متماسكة- في العديد من المناسبات مثل زوجة الشهيد بالعيد و المنجي الرحوي ولعلّ تصريح القيادي في الجبهة زياد لخضر في "الشروق" ليوم الجمعة 30نوفمبر2018 حول موضوع الجهاز السرّي يعتبر أبلغ ردّ على حمّة وعلى كلّ من لا يريد التعاون مع الرئاسة في هذا الملفّ الذي قد يكون بوضعه بين يدي رئيس الجمهوريّة الذي أحاله ل»مجلس الأمن القومي «قد سلك الطريق الذي يؤدّي الى كشف الحقيقة. فقد أجاب زياد عن سؤال يتعلّق بهذا الموضوع بقوله:»نحن نرى أنّ من صلوحيات رئيس الدولة أن يطرح الملفّ على مجلس الأمن القومي ونعتبر أنّ طرح الملفّ يدفع نحو حَلْحَلَةِ الأمور التي توقّفتْ منذ خمس سنوات ونتمنّى أن نصل إلى الحقيقة « إذن ما قاله زياد لخضر هو أضعف الإيمان أو هو جزء من موقف نتمنّى على الجبهة الشعبيّة بلورته في بيان صادر عنها إذا كانت فعلا تبحث عن الحقيقة ويكون بمثابة الردّ على بيان النهضة الذي أصدرته بعد منتصف الليل إذ «بَهْدَلَهَا»ما قام به الباجي. فالفرصة مواتِيَة وعلى الجبهة أن لا تضيعها لأنّ منطق «متاع الله يا أبناء الكلب « وأنا ضدّك مهما فعلتَ لغة مضْرُوبة وحبلها قصير .أمّا المثل الذي ضربه حمّة في هذا المقام وهو «الي قاريه الذيب حافظو السلوقي « فالسياق يدلّ على أنّه في غير موضعه وقد يؤدّي إلى عكسه وعندها ينطبق على الجبهة المثل القائل :»على نفسها جنت براقش». أقول هذا لأنّي أعتبر أنّ أحسن فرصة لتُشْفى تونس من داء الإخوان هو ملفّ الجهاز السرّي الذي لا يختلف اثنان حول خطورته على تونس في المستقبل القريب والذي بوقوعه بين يدي «مجلس الأمن القومي» بإرادة من رئيس الجمهوريّة يعتبر بمثابة التشخيص لهذا الداء الذي لا يمكن بدونه استئصال هذه الجرثومة من جسم تونس هذا البلد المريض منذ 2011 وكلّ من يتخلّى عن واجب المساهمة في هذا العمل الوطني ويحاول بشتّى الوسائل تعويمه خوفا من التوظيف السياسي الذي قد يضرّ بمصالحه الشخصيّة نقول له إنّ مصالح الوطن يجب أن توضع فوق كلّ المصالح وإنّ تعطيل هذا العمل أو التشكيك فيه بمثابة التحالف مع النهضة وهذه المرّة ليس في الميدان السياسي بل في ميدان خطير جدّا يمسّ بأمن تونس واستقرارها ومحافظتها على صبغتها المدنيّة وتوجّهاتها التحرّريّة كما ينصّ على ذلك الدستور أي المعارض لهذا التوجّه يرتكب خيانة عظمى هي خيانة الوطن ومكتسباته الحداثيّة.ومن غرائب سياسّي هذا الزمن التعيس أنه عندما تَتَخَلْخَل خيمة حركة النهضة بما في ذلك أعمدتها التي ترتكز عليها وهذا ما يقوم به اليوم «مجلس الأمن القومي»باعتراف قيادي الحركة إذ يقول رئيس مجلس شورتها لأتباعها إنّ ما يقوم به الباجي قد يؤدّي إلى حلّ حركة النهضة ويكون بذلك قد شهد شاهد من أهلها معبّرا عن خطورة الوضع الذي تعيشه هذه الحركة. وفي المقابل نجد الناطق الرسمي للجبهة الشعبيّة التي هي بالدرجة الأولى صاحبة المصلحة في ما يقوم به الباجي-إن ليس لحمّة مصلحة شخصيّة – يقول إنّي لا أثق في الباجي وإن كان هو ذئب فأنا سلوقي ويَبْخُس ما يقوم به الباجي باعتباره مؤتمنا على الوطن بصفته رئيس الجمهوريّة و يقول له متنكّرا «والله لو خرجتْ من جلدك لما عرفتك» فالمطلوب اليوم وإلى أن تصدر الجبهة بيانا رسميّا تساند فيه الخطوات التي يسير فيها ملفّ الجهاز الخاص أن يصمت الناطق الرسمي وأمثاله حتّى لا يسيئوا الى قضيّة الشهيدين وقد ارتبطتْ قضيتهما لأوّل مرّة بالمصلحة العليا للوطن المهدّد في كيانه من الجهاز الخاص الذي أدعو كلّ المهتمين بالشأن السياسي الى أن يطّلعوا على خطورة ما قام به الجهاز الخاص في مصر وكذلك ما كان يستعدّ للقيام به في تونس يوم 8 نوفمبر 1987 ثمّ مواصلة تحرّكه بعد 2011 كما كشفتْ ذلك هيئة الدفاع عن الشهيدين ويمكن اختصار القراءة والاكتفاء بالإطّلاع على كتاب أحمد نظيف «الجهاز الخاص « فهو كتاب صغير الحجم لكنّه جمع كلّ ما يهمّ المواطن التونسي معرفته حول الجهاز الخاص حتّى لا يقف مَكْتُوفَ اليدين أمام هذا الخطر الذي كان سيَجْرِفُ بلادنا إلى ما لا تحمد عقباه لو لم تقُمْ هيئة الدفاع عن الشهيدين بذلك العمل الجبّار لاكتشاف تلك الذخيرة من الوثائق الذي تثبتُ أنّ الجهاز الخاص حقيقة لا خيالا ولم يبق أمام القضاء الذي سوف لن تعوزه الحجج إلّا القيام بواجبه ويفصل في هذه القضيّة بما يقتضيه القانون وما ضاع حقّ وراءه طالب فما بالك إذا كان الطالب هو شعب بأكمله يخشى من ضياع وطنه. يقول تعالى «ولا تَلْبِسُوا الحقّ بالباطل وتَكْتُمُوا الحقّ وأنتم تعلمون»(البقرةالآية42).