اخترعَ البرازيليون الكرة «الرّاقصة» وأبدعَ الهُولنديون في تَطبيق الكرة الشّاملة ومن جِهتها واكبت تونس الثَورات الحاصلة في اللّعبة وقدّمت في مُونديال 78 عُروضا فنية وتكتيكية لافتة للأنظار بل أن الكَثير من المُتابعين قالوا آنذاك إنّ بلاد الشتالي سَابقة لعَصرها. وَبعد مُرور أربعين عاماً على دخول الكرة التونسية دائرة العَالمية نُلاحظ للأسف الشديد بأن اللّعبة قطعت أشواطا عِملاقة نحو مُستنقع الانحراف والتَخلّف بدل أن تشهد قَفزة نَوعية بإتّجاه التَحضّر والتطوّر على كلّ المستويات الفنية والتَسييرية والتَحكيمية وحتّى الاعلامية بما أن المَادة الرياضية التي تُقدّمها الآن بعض البلاتوهات التلفزية نَزلت إلى أدنى مُستويات الرَداءة والبَذاءة. بَعض برامجنا التلفزية وحتّى الإذاعية فتحت أبوابها للاعبين السَّابقين وسمحت لهم بإرتداء ثَوب المُحلّلين ليتكلّموا في الكرة بلسان المُحبين وهو ما يجعل هذه البلاتوهات أشبه ب»الفِيراج» بما أن كلّ «مُحلّل» يُدافع عن جمعيته ظَالمة أومظلومة وذلك من بَاب التَعصّب أوفي سَبيل التقرّب والتزلّف للمسؤولين والمُشجعين. ومن هؤلاء «المُحلّلين - المُحبين» نَستحضر على سَبيل الذّكر لا الحَصر المحجوبي وجابر والمولهي والبدوي والمرداسي والفالحي والجزيري والتليلي الذي يكاد يَلبس جُبّة «وليدها» ليبرز الوَلاء المُطلق لشيخ الأندية التونسية. الأمر لا يَتوقّف عند انعدام الحِيادية بل أن هذه البرامج التلفزية أصبحت مَرتعا للسبّ والشَتم على المُباشر ومَسرحا لتَكريس النَعرات الجهوية وتَعميم الخِطابات الهَابطة حتى أن حَكما سابقا مثل مكرم اللّقام أصبح من المُختصين في دراسة «فُنون الرّقص» التي يُمارسها عبد السلام السعيداني الذي اكتسح وسائل الإعلام لتَسميم الأجواء وإعلان نِهاية المُسيرين الأكفاء وذلك في غَفلة من الزّمن ومن الوزيرة المُنشغلة بإلتقاط الصّور التذكارية والتَسويقية بجانب الجُدران المُتهاوية للمنزه حيث يَستمتع الجريء بالفُرجة على الانهيار الفني والأخلاقي للكرة التونسية. وقد كان من المفروض أن تَستفيد الجَماهير من «التُخمة التلفزية» و»التَعددية الرياضية» لتَغنم بخطابات تَوعوية ومعلومات تَثقيفية في «التَكتيك» و»التكنيك» والتَحكيم والاتّصال بدل تَصديع الرؤوس بالمسائل الهَامشية والخِلافات الجانبية. وقد يكون شرح «الكَابتن» خالد حسني ل»الطَريقة القابسية» في الاستفادة من سِلاح «التُوش» في العمليات الهُجومية أفضل ألف مرّة من الخَوض في البطولات الوَهمية للسعيداني والخِطابات الاستفزازية للعيّاشي الذي هاجم لاعبيه بشكل يُثير التَعجّب ولوأنّ الغَرائب في ساحتنا الكروية أصبحت خُبزا يَوميا. وقد وصلتا آخر المَهازل من سبيطلة التي لم تَشفع حَضارتها وعَراقتها لكَنس الخُرافات والخُزعبلات من أذهان المسؤولين عن اتّحاد المكان. وتُواظب الجَماعة على ذَبح «ديك عَربي» لطَرد النّحس وجلب «البَركة» أثناء المقابلات الرسمية والأكثر سُخرية وفَظاعة مِمّا تقدّم أن عملية «النَّحر» تَتمّ وُجوبا بقلم رَصاص. هذه الفَوضى التلفزية والمَشاهد الدَموية تَحصل وسط غِياب سُلطان العَقل و»الهَايكا» وجمعيات الرّفق بالحَيوان والصّمت الرّهيب للدّولة التي أنتجت نُخبا سياسية ومَجلسا شعبيا لتبادل العُنف اللّفظي والمَادي. وقديما قِيل: «إذا عُرف السّبب بَطل العَجب».