عكس أزمات السنوات الماضية، لم تظهر في الآونة الاخيرة أية بوادر لحلحلة الأزمة السياسية الحالية التي بلغت حدا كبيرا من الاحتقان. فهل يمكن اليوم إعادة استنساخ احد الحلول التي اهتدى إليها السياسيون خلال الأزمات السابقة. تونس (الشروق) منذ 2011 مرت تونس بأزمات سياسية مختلفة ومتفاوتة الحدّة والخطورة وكاد بعضها يهدد استقرار البلاد والسلم الأهلي، وفي كل مرة ينجح السياسيون في الاهتداء إلى الحلّ المُنقذ ولو بصعوبة، بقطع النظر عن وجاهة الخيارات التوافقية. غير أنه منذ عدة أشهر، تفاقمت الأزمة السياسية في البلاد وكانت هذه المرة بشهادة المتابعين أوسع لانها شملت أغلب الأطراف السياسية بلا استثناء ولم تظهر إلى الآن أية بوادر لإمكانية حلحلتها رغم ما وقع ارساؤه في البلاد من تقاليد وتجارب ناجحة في الوفاق وفي تقديم تنازلات في سبيل المصلحة الوطنية. أزمات... وحلول أولى الأزمات كانت مطلع 2011 عندما حصل اختلاف حول الخيارات السياسية التي سيقع اعتمادها بعد الإطاحة بالمنظومة السياسية السابقة وكادت أن تنزلق البلاد جراء ذلك وراء صراعات خطيرة بين مختلف الاطراف السياسية. لكن سرعان ما وقع تجاوز الخلافات من خلال التوافقات التي تمت داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وأبرزها انتخاب مجلس تأسيسي لإعادة صياغة الدستور والتوافق على احداث هيئة انتخابات للغرض وعلى منظومة حكم ومنظومة تشريعية ومؤسساتية مؤقتة أوصلت البلاد إلى انتخابات 23 أكتوبر 2011. وفي سنتي 2012 و2013 تراكمت أزمات سياسية خطيرة كادت تعصف بالسلم الأهلي وباستقرار البلاد نتيجة خيارات منظومة الحكم القائمة آنذاك ونتيجة تنامي خطر الارهاب. وسرعان ما اهتدت الاطراف السياسية منتصف 2013 إلى خيار الحوار الوطني الذي تواصل عدة أشهر وانتهى بخارطة طريق تضم توافقات واسعة ابرزها التسريع بانهاء عمل المجلس التأسيسي وصياغة دستور توافقي ثم تكليف حكومة غير مُسيّسة بتصريف الاعمال للتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية موفى 2014 فضلا عن اتمام سن بعض التشريعات الضرورية وارساء بعض المؤسسات الوقتية في أجواء هادئة وتوافقية ولو نسبيا.. بعد ذلك نجحت البلاد في تنظيم تلك الانتخابات في مناخ ديمقراطي ووسط حالة من الهدوء السياسي وارتأى الفائزون اختيار طريقة حكم تشاركي قائم على التوافق ووقع تدعيمه سنة 2016، بخيار الوحدة الوطنية الذي انبثقت عنه وثيقة قرطاج 1 والذي ساهم نسبيا في تحقيق حالة من الهدوء السياسي على امتداد 3 سنوات، رغم معارضة كثيرين له ورغم أنه لم يكن الخيار الأمثل وتسبب في صعوبات أخرى للبلاد. «عتبة» قرطاج 2 مطلع 2018 حاول السياسيون العودة مجددا إلى الحلول الجماعية بعد دخول البلاد مرحلة صعوبات اقتصادية ومالية واجتماعية، واجتمعوا أكثر من مرة بعد التوافق على إعادة صياغة وثيقة أخرى مشتركة ( وثيقة قرطاج2). غير أن المسار توقف بعد أن بلغ الاختلاف درجة أكبر واشتدت حدته في الأشهر الاخيرة بعد توتر علاقات مختلف الاطراف ببعضها البعض وعجزهم عن الجلوس مجددا على طاولة الحوار ليقع القطع بذلك مع تجارب الحوار والتشارك والتوافق التي دأب عليها السياسيون طيلة السنوات الماضية. تحقيق الهدوء اليوم يُطرح أكثر من سؤال حول الكيفية التي سيقدر بواسطتها السياسيون وضع حدّ للأزمة المشتدة وللخلافات والصراعات اللامتناهية التي اصبحت تجمعهم. ورغم أن ظروف وملابسات الأزمة الحالية ليست نفسها التي عاشتها البلاد في السنوات الماضية إلا أن كثيرين يرون أنه بالامكان استرجاع التجارب السابقة في كيفية تجاوز الأزمات من خلال الجلوس مجددا الى الحوار من اجل التفاوض والتوافق حول حلول التهدئة على الاقل خلال الاشهر القادمة التي تفصلنا عن انتخابات 2019 وحماية البلاد من الانزلاقات الخطيرة التي تهددها والتي يحذر منها البعض. ويمكن ان يحصل ذلك عبر التوافق على تجاوز خلافات «قرطاج2» وعلى بعض الاصلاحات السياسية حتى تكون حظوظ الجميع متساوية في الانتخابات القادمة دون أن يسعى أي طرف لمحاولة الإطاحة بالآخر بطرق تتنافى وأخلاقيات العمل السياسي مع التزام الجميع بحماية المصلحة الوطنية العليا للبلاد خاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.