حكومة الشاهد قوية برلمانيا ومدعومة سياسيا. لكنها مهددة جديا في ظل عجز المعطيين البرلماني والسياسي عن حمايتها من الضغوط الاجتماعية والنقابية. فأي حظ لها في النجاة؟. تونس (الشروق) لا يمكن إسقاط حكومة يوسف الشاهد اليوم ولا غدا بطريقة قانونية عبر سحب الثقة منها ذلك أن كتل النهضة (68 مقعدا) والائتلاف الوطني (44 مقعدا) والحرة لحركة مشروع تونس (15 مقعدا) قادرة بمفردها على حمايتها. لا سر في هذا، فكتلتا النهضة والحرة تمثلان حزبين حاكمين (حركة النهضة وحركة المشروع) أما كتلة الائتلاف الوطني فمحسوبة على يوسف الشاهد ومن المنتظر أن ينبثق عنها خلال أيام حزب جديد يتزعمه الشاهد أو يكون فيه على الأقل أحد قيادييه. بلغة المنطق لا يمكن لحزب أن يعمل على إسقاط الحكومة التي يشارك فيها لاسيما بعد أن رضي بتحويرها الوزاري الأخير مما يعني في النهاية أن الحكومة تتمتع حاليا بالأغلبية البرلمانية التي تحميها من سحب الثقة وبالدعم السياسي الذي توفره ما لا يقل عن أربعة أحزاب باعتبار حزب المبادرة الدستورية الذي رشح رئيسه كمال مرجان لمنصب وزاري...لكن الحديث عن الدعم السياسي يحتاج إلى بعض التفصيل: «بلا سند سياسي» «الحكومة وحتى الحكومات السابقة المتعاقبة لم يكن لها السند السياسي»، يبدو ما قاله رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال افتتاحه أمس الدورة الثالثة والثلاثين لأيام المؤسسة بسوسة صادما في ظل المشاركة الحزبية المكثفة في حكومته الحالية. وتزداد الصدمة شدة عندما نتذكر تمتع حكومته الأولى مثلا بمساندة حزبية أوسع فضلا على حزام سياسي متين كانت تؤلفه بعض الأحزاب إلى جانب أهم الاتحادات الوطنية المؤثرة في المشهد السياسي. وما يزيل الصدمة والحيرة أن الشاهد كان يقصد تحديدا «السند السياسي اللازم للقيام بالإصلاحات». وهذا صحيح لأن هذا الدور محمول بالأساس على الأحزاب التي تخلت عن عادة الالتحام بقواعدها لإقناعها بخطط الحكومة وأهدافها وتوجهاتها وإجراءاتها. واستعاضت عن هذا الدور بسياسة إعلامية حديثة. وهي المواقع الالكترونية والاجتماعية التي لا تدافع عن مصالح الحكومة إلا متى وافقت المصلحة الحزبية. والنتيجة أن حكومة الشاهد تتمتع كسابقاتها بحماية سياسية. لكن هذه الحماية تبقى نظرية وعاجزة عن إفادة الحكومات وحمايتها من الناحية العملية. إضرابات مدمرة مشكلة حكومة الشاهد اليوم ليست في غياب السند السياسي الحقيقي والعملي فحسب بل في عدم القدرة على مواجهة الضغوط النقابية والاجتماعية. أما الضغوط النقابية فناتجة بالأساس عن التصادم مع أهم مساند سابقا في الحزام السياسي ونعني به اتحاد الشغل، وأما الاجتماعية فناجمة بالأساس عن خيارات الحكومة التي أكرهت على اتباعها: ونبدأ بالضغوط النقابية بالإشارة إلى الرجة الاقتصادية التي أحدثها الإضراب العام الأخير في الوظيفة العمومية وارتداداتها الاجتماعية والسياسية. لكن الأخطر في إمكانية المرور إلى إضراب أشمل وأوسع يشمل الوظيفة العمومية والقطاع العام. والأكثر خطورة أن تتكرر الإضرابات العامة لتشل البلاد وتعصف بالحكومة قبل أن تسلم المشعل لخليفتها مطلع سنة 2020. وبالتوازي مع الإضرابات العامة تواجه الحكومة حاليا ضغوط النقابات القطاعية. وتركز حاليا على مقارعة جامعة التعليم الثانوي في معركة تبدو إلى الآن متوازنة. لكن الخطر في التحاق نقابات قطاعية أخرى مثل نقابات التعليم الأساسي والجامعي بركب الثائرين على سياسة الحكومة وفي توسع الدائرة لتشمل قطاعات أخرى مؤثرة كالصحة والنقل… اقتداء بفرنسا؟ في خضم هذه الضغوط النقابية، هناك مخاطر اجتماعية حقيقية لا يمكن للحكومة أن تستخف بها. فالشارع في حالة غليان جراء تدهور المقدرة الشرائية وتضرر الطبقتين الوسطى والضعيفة من تراجع المداخيل وتضاعف المصاريف وندرة المواد الاستهلاكية المدعمة جراء الاحتكار (الحليب ومشتقاته والزيت والسكر…) والخطير في الأمر أن بعض الأطراف السياسية المناوئة للأطراف الحاكمة قد تركب على هذه المصاعب. فتحرض المواطنين على النزول إلى الشارع لإشعاله وإسقاط الحكومة. كما حدث قبل ثماني سنوات لنظام بن علي. تونس ليست في معزل عن العالم. حيث يوجد معطيان مهمان يلعبان لصالح أعداء الحكومة: أول المعطيين إقليمي حيث من منفعة بعض الدول أن تغذي أي محاولة لإنهاء الاستقرار السياسي في تونس أملا في تدعيم استقرارها. أما الثاني فدولي يرتبط أساسا بالحراك الشعبي الذي تعيشه فرنسا حاليا. ومن المتوقع أن يتوسع ليشمل العديد من الدول الأوروبية المجاورة على أن يزداد تمدده ليشمل تونس لاسيما أن المناخ الاجتماعي في بلادنا يشجع على الاقتداء بالتجربة الفرنسية. فما المطلوب من الحكومة لحماية نفسها؟ هدنة اجتماعية من المفترض أن تأتي الحماية من الأحزاب الحاكمة. لكن هذا غير ممكن في ظل عجزها عن توفير الدعم السياسي اللازم. ومن المفترض أن تستبق الحكومة الضغوطات والمخاطر النقابية والاجتماعية بإرضاء جميع أطرافهما. لكن هذا غير ممكن أيضا في ظل شروط صندوق النقد الدولي والعجز عن توفير موارد إضافية للميزانية. وما تبقى من حلول يكمن في انتهاج حرب حقيقية ضد المحتكرين والمتهربين من دفع الضرائب مع إحياء الحرب على الفساد وتوسيع دائرتها. لكن الأهم من هذا كله يكمن في التحاور مع الأطراف النقابية والسياسية المعارضة والتوصل في أسرع وقت ممكن إلى هدنة اجتماعية تتم فيها مراعاة مصلحة البلاد بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة. ولو ثارت النقابات وتعددت الإضرابات واشتعل الشارع تسقط الحكومة بالضرورة. ولو سقطت الحكومة يتوقف الحلم بإقامة الانتخابات في موعدها ومواصلة السير في طريق الديمقراطية فنعود أعواما إلى الوراء. ولهذا على الحكومة أن تحمي نفسها بالاستجابة قدر المستطاع لمطالب النقابيين والشارع وحتى خصومها لعلّ العاصفة تمر بإجراء الانتخابات القادمة.