بعد حوالي عام ونصف من انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية، يجد إيمانويل ماكرون نفسه اليوم أمام تحدّ كبير لم يشهده العديد من سابقيه، فالاحتجاجات ضد خياراته الاقتصادية تتصاعد ولا شيء يؤشر الى نهايتها قريبا... بل ان الوضع لا يزال يطل برأسه منذرا بمزيد من العنف والفوضى ليس فقط في العاصمة باريس بل أيضا في المدن الرئيسية والمتوسطة. ورغم أن الرئاسة الفرنسية سارعت الى إلغاء الزيادات على المحروقات لعام 2019 في محاولة منها لتهدئة الغضب المتصاعد، الا أنّ ذلك لم يثن أصحاب «السترات الصفراء» عن مواصلة احتجاجاتهم بل انهم ذهبوا الى ما أبعد من ذلك من خلال مطالبة ماكرون بالرحيل، حتى ان بعضهم استلهم روح الثورة الفرنسية عبر رفع شعارات إسقاط النظام وإنهاء فترة «الملك ماكرون». لا شكّ أنّه من المحرج اليوم أن نرى ماكرون الذي انتخب العام الماضي باعتباره مرشّحا إصلاحيا واثقا من نفسه و لا يتراجع عن قرارته، يرضخ في النهاية ويتراجع عن قراراته التي هوت بشعبيته الى الحضيض وألقت به وسط «عاصفة» من الغضب والشغب، وأحدثت شللا غير مسبوق في حكومته بعد أن صمّ أذنيه عن مطالب «السترات الصفراء»، معتبرا أنها موجة عابرة سبق أن واجه أعتى منها في السابق، عند إطلاق إصلاح قانون العمل والقوانين الناظمة لقطاع السكك الحديد وقوانين أخرى لكن من البديهي القول ان هذه الاحتجاجات ليست كسابقاتها وان وضع ماكرون بعدها لن يكون حتما كما قبلها. وان كان من المبكر السعي الى محصلة نهائية للحركات الاحتجاجية المتشابكة والمتواصلة التي لم تتكامل فصولها بعد، الا انه من الواضح القول بأن مثل هذا التصعيد الذي يشتد كلّ يوم بات يثير في واقع الامر أسئلة أكبر حول مستقبل الرئيس ايمانويل ماكرون خاصة بعد أن تحولت الاحتجاجات إلى جزء من الصراع السياسي بين أحزاب اليمين واليسار المتطرّف، التي اعتبرت الاحتجاجات مؤشرا على فشل الائتلاف الحاكم وفشل سياسات ماكرون الاقتصادية، وبعد أن تصاعدت الدعوات الى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، الأمر الذي قد يهدّد تحالف ماكرون بقيادة حزبه، «الجمهورية إلى الأمام». أوروبيا أيضا لا تبدو الظروف المحيطة بالاتحاد الأوروبي وبفرنسا مطمئنة ومناسبة لماكرون لا سيما مع خروج بريطانيا ومساعي دول أخرى للسير على دربها بعد تراجع الأداء الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى أن الكثير من الدول الأوروبية تعاني أزمات اقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والتضخم والدين الحكومي، وكلها تحديات كبيرة لا تهدّد فقط مستقبل «ماكرون» بل إنها تهدد ايضا بنقل «عدوى» الاحتجاجات من فرنسا إلى بقية الدول الأوروبية المجاورة.