رغم أن "الثورة" التونسية كانت تنادي بالتشغيل والكرامة والتنمية، إلا أن الواقع أفرز تضخما في أزمة التشغيل لا سيما لدى الحاملين للشهادات العليا. وتمثل الوظيفة العمومية "الحلم" أو الطريق المضمون لهذه الفئة من الباحثين عن عمل يمنحهم كرامة الحياة. والحقيقة -رغم ما تلوح به الخطابات الرنانة من فرص التشغيل في القطاع الخاص والحث على بعث المشاريع ضمن المبادرات الفردية- فإن الواقع يشير إلى ما يعانيه العاملون في هذا القطاع من "تعسف" وهضم لحقوقهم الشغلية. كما يعاني الاستثمار للحساب الخاص من جملة من التعقيدات الإدارية والمالية التي تنهك الباحثين عن بعث مؤسسة، بمجهودهم الذاتي، ودون سند مادي أو عائلي أو "المعارف". مسألة الوظيفة العمومية إذن، ليست مجرد أرقام وحديث عن كتلة الأجور. فالأزمة لها وجه آخر يتعلق بخلق البدائل. وهو أيضا مقترن بمدى قدرة المؤسسات العمومية على دفع الاقتصاد مع تغيير الصورة التقليدية والنمطية للموظف الذي لا مردودية له. الرهان هو إذن رهان خلق مؤسسات عمومية، تؤمن بدور الموظف وقدرته على تقديم القيمة المضافة للمؤسسة وللاقتصاد. لكنه أيضا رهان يتعلق بتطوير نسبة النمو. وهو ما يمكن من دعم الانتدابات والزيادات في الأجور لمن يستحقها. فمن غير المعقول أن نطلب المردودية ممن أجورهم هي الأقل في المنطقة. وهو ما يدفع بالكفاءات إلى الهجرة نحو الدول التي تقدر الشهادات والكفاءات. ومن هذا المنطق يمكن الحديث عن إمكانية تغيير مفهوم "التوظيف" من إهدار للمال العام إلى استثمار في الاقتصاد والعباد.