بات جزء كبير من الحراك السياسي في البلاد خاضعا للأهواء وللكثير من المزايدات المرفوقة بخطاب تحريضي وتجييش للشارع على الرغم ممّا في ذلك من محاذير بالغة الخطورة. إنّ دعوات من هذا القبيل من قبل عدد من السياسيّين والأحزاب، في وضع اجتماعي يعيش على وقع الاحتقان والكثير من مشاعر عدم الرضا، هو بمثابة إلقاء عود ثقاب في بئر غاز أو بترول. لا شيء البتّة يُبيح للنخبة أو يُبرّر لها هذا التداعي الى مثل هذه الخطابات المليئة بألفاظ وعبارات الشحن والتجييش، ولقد شهدنا في رحاب مجلس النواب الكثير من اللغط والضوضاء اختلط فيها الحابل بالنابل وكادت تضطرب فيها المعادلات البرلمانيّة والتوازنات داخله ونواميس نظامه الداخلي، مظاهر تشويش واتهامات متبادلة، منها الخطير جدا المرتبط بالفساد والتورّط في دعم لوبيات المال والأعمال على حساب مصالح الدولة والشعب. إنّ النخبة السياسيّة كلّها مدعوة الى وقفة تأمُّل عاجلة للنقد الذاتي وإجراء ما يلزم من مراجعات ومسارات للتقييم، أملا في تعديل المشهد وإضفاء قدر من الجديّة والمسؤوليّة عليه. لقد تشوّهت كثيرا الممارسة السياسية في بلادنا، نتيجة المناكفات وغلبة المصالح الضيّقة على حساب هموم المواطنين وحالة القلق التي تهزّهم ومشاغل البلاد ومشكلاتها المتراكمة والمخاطر الماثلة على أكثر من صعيد، وأبرزها التهديدات الإرهابيّة التي ما تزال بلادنا في غير مأمن منها مع ما يشهده الإقليم والمنطقة من تطورات ومستجدّات. إنّ حسم الخلافات السياسية لا يكون باستدعاء الشارع والتحريض المتبادل بل بالاحتكام أولا الى دستور البلاد وقوانينُها المنظمة للشأن السياسي وشؤون الحكم والمعارضة، وثانيا بالعودة الى الارادة الشعبيّة التي تعكسها صناديق الاقتراع لنيل ثقة الناخبين، عدا ذلك فوضى وتهريج واستدعاء للسيناريوهات الخاسرة والمضرّة والخائبة، لا قدّر الله. دخلت بلادنا بعد في أجواء انتخابيّة سابقة لأوانها، وهذا ما تعكسه تقريبا كل التحرّكات والمواقف، ولكن في أي مناخ تريد الأحزاب إجراء انتخابات 2019 ؟ بل على ماذا تعوّل والحال أنّ جزءا كبيرا من الشعب قد أصابه القرف من تدني المسألة السياسيّة الى مستوى يُقارب التهريج. وقفة التأمَل باتت عاجلة وأكثر من ضروريّة، فلا شيء من أداء النخبة حامل للتفاؤل والاستبشار.