الخناق يضيق يوما بعد آخر حول حكومة الشاهد، الخطر لم يعد نابعا من المعارضة بل تعداها إلى جل مكونات المجتمع، والاحتجاجات تجاوزت الفئات الشعبية إلى النخبة، هناك من يحاول الدفاع عنها وحمايتها لكن خصومها أقوى فما الحل؟. تونس الشروق: لكل حكومة حلفاء يدافعون عن خياراتها وخصوم يعترضون عليها، في هذا تبدو حكومة الشاهد قوية برلمانيا بما أن حلفاءها (كتل النهضة والائتلاف الديمقراطي والحرة لحركة مشروع تونس…) يوفرون لها الأغلبية المطلوبة ما يحول دون سحب الثقة منها وإقالتها. في المقابل تبدو المعارضة البرلمانية ضعيفة ومكتوفة الأيدي وغير قادرة على التحكم في مصير الحكومة لكن المشكلة لم تعد تحت قبة البرلمان بل إنها غادرته إلى الشارع حيث الأكسجين الحقيقي لحياة أي حكومة. في الشارع هناك من يؤيد الشاهد وحكومته وأحزابها ويبدي استعداده للدفاع عنها ولو بالعنف لكن الكفة تميل بشكل واضح من حيث الكثرة والقدرة على التأثير تبدو لصالح الخصوم: تهديدات نقابية للحكومة خصوم من الأحزاب لا تظهر قوتهم داخل البرلمان بل في القدرة على تعبئة الشارع وتجييشه وتوجيهه نحو الإضرار بالحكومة. من هذه الناحية يبدو حزب نداء تونس والجبهة الشعبية قويين جدا وخطرين جدا على الحكومة لكن الشاهد وأتباعه وحلفاؤه لا يواجهون الخصوم السياسيين فحسب بل جملة من المشاكل النقابية، فاتحاد الشغل يواصل خنق الحكومة بإضراباته وتهديداته والتعبئة ضدها. والنقابات القطاعية تبدو كقطيع من السباع وهي تنهش أطراف الحكومة المكبلة، ومن غير المستبعد أن توحّد جهودها فتغلق نقابات التعليم أبواب المؤسسات التربوية ويوقف نقابيو النقل أنشطتهم وقد يلحق بهم نقابيو الصحة والأنشطة الصناعية والخدماتية والتجارية فتصاب حركة الدولة كلها بالشلل التام. بالأمس عانى المواطنون من فقدان البنزين وغدا يعانون من غياب الغاز وانقطاع المواصلات وتوقف وسائل النقل العمومي، وبعدها قبلها تتواصل المعاناة من فقدان المواد الأساسية (السكر والحليب والزيت النباتي المدعم…) ما يزيد في حالة الغليان: التحاق النخبة هناك من المواطنين من يدافع عن الحكومة دفاعا عن الحزب الذي يواليها لكن حالة الغليان تشمل اليوم أغلبية الشعب في انتظار من يتطوع لتهييجها ودفعها إلى الاحتجاج ضد الحكومة. احتجاجات الفترة القادمة ستكون بالضرورة أقوى من احتجاجات السنة الماضية بالنظر إلى شدة الاحتقان وشدة التهييج وارتفاع عدد المهيجين وعدد القابلين للتهييج يضاف إلى هذا كله الدور المفترض لما يعرف ب«السترة الحمراء» في تأجيج الاحتجاجات أسوة بما يفعله أصحاب السترات الصفراء في فرنسا لكن للاحتجاجات المتوقعة قريبا ميزة إضافية تشذ بها عن سابقاتها. فالاحتجاج على الحكومة لم يعد حكرا على الفئات الشعبية والأحزاب المعارضة التي تغذيها بل توسعت إلى النخبة مثل المحامين والمهندسين والأطباء والخبراء في المحاسبة... والأخطر أن بعضهم كالمحامين مروا إلى إعلان العصيان الجبائي. لم تتوحد النخبة ولم تقف إلى جانب النقابيين والعمال والعاطلين إلا أثناء الإطاحة بنظام بن علي قبل حوالي ثماني سنوات فهل تلقى حكومة الشاهد المصير ذاته؟. إضرابات مدمرة لن تستفيد الحكومة من أغلبيتها البرلمانية ولا من قيمة الأحزاب التي تشارك فيها وتدعمها ولا من قواعدها ولا من الأطراف الخارجية ولا حتى من صندوق النقد الدولى على فرضية الاستجابة لشروطه. السر في هذا أن من يعرقل يغلب من يعارض العرقلة ومن يهدم يهزم من يمنع التهديم ومثل ذلك أن تنفيذ إضراب عام في الوظيفة العمومية والقطاع العام (من المفترض أن يحدث يوم 27 جانفي القادم) لن يمحو أتباع الحكومة أضراره حتى لو تطوعوا للعمل ليلا نهارا، وإقرار إضراب في وسائل النقل العمومي لن ينفع معه التسخير ولا غيره. هناك حقيقة بينة، فإضراب يوم واحد في قطاع واحد يمكن أن يصيب البلاد كلها بالشلل (مثال ما حدث أمس نتيجة إضراب سائقي نقل المحروقات) فما بالك إذا تضافرت جهود المحتجين والمضربين والمعتصمين والنقابيين قبل أن تتوجه مجتمعة نحو المطالبة بإسقاط الحكومة. النجاة ممكنة الحكومة لم تسقط بعد، ولكنها تترنح بعد أن أوشكت قارورة اكسجينها على النفاد ومع هذا فلا يمكن الإقرار بحتمية سقوطها بل أمامها أمل في النجاة: هناك اليوم مطالب نقابية تكاد ترقى إلى التعجيز ومع هذا فعلى الحكومة أن تتفادى التصعيد والتصلب وأن تعمل على جلب خصومها إلى طاولة الحوار وإطالة المفاوضات معهم وتقديم بعض التنازلات لإطفاء غضبهم واتقاء شرهم. وهناك مطالب شعبية يمكن للحكومة أن تتصدى لها بحملة إعلامية متقنة توضح مدى تضرر المواطنين ومدى استفادتهم من قانون المالية ومع هذا فعليها أن تقدم تنازلات ملموسة أسوة بما قدمه الرئيس الفرنسي ماكرون للمحتجين في بلده. وهناك أحزاب معارضة يمكن إقناع بعضها بالتهدئة ومقارعة البعض الآخر بتكذيب ادعاءاتها. وهناك «سترات حمراء» لا ينفع معها المنع أو المصادرة بل توعية المشرفين عليها من عواقب إشعال الشارع. وهناك في النهاية رئيس جمهورية غاضب من الحكومة ورئيسها وأحزابها لكن بالإمكان عقد صفقة معه تنفع جميعهم وتنعكس منافعها على البلاد كلها. الحكومة أثبتت سابقا قدرتها على المناورة والخروج سالمة من كل المآزق وستتاح لنا فرصة الحكم بدقة عليها من خلال تعاملها مع الاحتجاجات القادمة. 143 غيابا في مجلس النواب خلال شهر نوفمبر أعلن محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب أنّ الغيابات في المجلس أصبحت مرتفعة حيث تم تسجيل 143 غيابا عن الجلسات العامة في شهر نوفمبر المنقضي، مؤكدا أن الاعذار عن الحضور في الجلسات العامة من قبل النواب سيتم التحري في أسبابها مستقبلا، وسيتم تناول هذه المسألة ومعالجتها بين رؤساء الكتل. وبخصوص الاساءة للنواب قال محمد الناصر أنه سيتم النظر في هذه المسألة وهناك إمكانية لتوقيف أي نائب يسئ لزميله عبر التدخلات في الجلسات العامة لمدة محددة ، مشيرا إلى أن الكلام المسئ للنواب والمسؤولين في الدولة ليس من أولويات المجتمع التونسي ويجب أخذ موقف مشترك من المسألة داعيا إلى ضرورة مواصلة المدة النيابية في كنف الاحترام.