تعرف مدينة سوسة العتيقة التي صُنفت منذ 30 عاما تراثا عالميا من طرف اليونسكو وضعا مزريا دفعت أهاليها إلى إطلاق صيحة فزع حزنا على الوضع الذي تعيشه "البلاد العربي". (الشروق) مكتب الساحل انتقلت "الشروق" لزيارة المدينة العتيقة والتقت ببعض أهالي المنطقة وناشطين في المجتمع المدني أجمعوا على الاستياء من حالة الإهمال والتجاوزات التي طالت مختلف المعالم الأثرية والمدينة العتيقة ككل. وقال معز الحطاب وهو من مواليد ومتساكني المدينة العتيقة إلى جانب أنه حرفي في هذه المنطقة "للأسف ليس لنا مسؤولون يعملون مع تقديري لهم كأشخاص، حتى الجمعية التي تدعي الحفاظ على المدينة العتيقة لم تقم بشيء يذكر, فقد انخرطت فيها في فترة ما ولكن منذ خمس سنوات منعوا أي شخص يشترك كلما طلبنا اشتراكات قدموا لنا اشتراكات بمائة دينار فأصبحت حكرا على البورجوازية وتم إقصاؤنا". تجاوزات بالجملة... وأضاف "اليوم نرى مظاهر مزرية بمحطة التاكسي الجماعي والحافلات المتاخمة لسور المدينة و"دار الموزيكا" التي كانت تحتضن الفرقة الموسيقية للباي ثم الفرقة النحاسية بسوسة اليوم أصبح يستغلها النصابة وهناك من يتاجر بهذا المعلم ويؤجره لهؤلاء في وقت كان من الممكن تحويل هذا المعلم إلى متحف، والانتصاب الفوضي مرتبط بالأساس بمستودعين لو يتمّ إغلاقهما ستحل مشكلة الانتصاب الفوضوي، وبالنسبة للأوساخ المتراكمة في البلاد العربي فالمستلزم المكلف بذلك مخل بواجباته وغير منضبط في رفع الفضلات إلى جانب الشرطة البلدية والتي بدورها لا تقوم بواجبها في إيقاف التجاوزات بمختلف أنواعها فهناك حتى من يبيع الدجاج تحت السور". وأشار معز إلى المعالم المغلقة ومنها ما تحول إلى وكر فساد فجامع الداموس أصبح محاطا بالمنتصبين ومعهد الذكور وهو معلم تاريخي وضعيته مزرية، ومعلم دار بن سعيدي تحول إلى كباريه، و"باب الفينغا" مهمل وهناك معلم تحول إلى وكر للمثليين تحت مسمى منزل سياحي "دار أطوانا" في حي كعبار أمام أنظار المواطنين والمسؤولين ولكم أن تتأكّدوا من ذلك وكذلك الفضاء التاريخي الذي استغله مقهى ومطعم الرباط والذي حجب صومعة الرباط، إلى جانب فضاءات تم الاستيلاء عليها مثل دار حبيبة وسيدي عبد السلام وسيدي عبد القادر. وختم بالقول "من يريد أن يعمل بصدق وإخلاص مرحبا به ونساعده على ذلك ومن جاء لأهداف أخرى فليبق في مكتب منزله رانا فدّينا". من جهته قال الناصر الخال وهو من أهالي "البلاد العربي" يقطن في أول حي شُيّد في المدينة العتيقة يعرف بنهج صالح بالعجوزة والذي تحولت جل المنازل فيه إلى متاجر "البلاد العربي تكاد تكون مظلمة ليلا إلى جانب انعدام الأمن فلا أحد يجرؤ على الخروج ليلا فحتى الحارس الموجود لحراسة المكان والمتاجر أصبح يهتم بحراسة السيارات لا غير لأنه يتقاضى أجرا أكثر من أصحاب السيارات، إلى جانب مظاهر أخرى مزرية تعيشها البلاد العربي والذي لم يبق فيها إلا بعض العائلات الكبرى فحتى الجمعيات التي تدعي اهتمامها بالمدينة العتيقة لم تفعل شيئا فهناك أوكار فساد وتجاوزات في البناء وبناءات بأربعة وثلاثة طوابق دون حسيب أو رقيب إلى جانب التشويهات التي طالت المدينة العتيقة والانتهاكات المسلطة على المعالم الأثرية منها "حبس المختار" وغيرها من المعالم المغلقة والمهملة". المجتمع المدني حلّ أو جزء من المشكل؟ تعددت في ولاية سوسة الجمعيات المهتمة بالتراث وبالمدينة العتيقة ولكن العمل الفعلي يكاد يكون منعدما إلى جانب الخلافات والصراعات والاتهامات الخفية والمعلنة بين بعضها البعض وتمعشهم من المدينة العتيقة حسب ما أكّده عمر بلهوان من متساكني المدينة العتيقة وناشط في المجتمع المدني وصاحب مشروع ثقافي داخل المدينة العتيقة مضيفا أنّ "حالة من الإهمال والانتهاك غريبة تمارس على المدينة العتيقة إلى جانب انعدام أي برنامج تنشيطي في هذه المدينة التي تنام في ساعة مبكرة إلى جانب الأوساخ، فالجمعيات التي تدّعي الاهتمام بالمدينة العتيقة احتكرت هذا الجانب وهي متكونة من الأغنياء من مناطق خزامة والقنطاوي يتصرفون كما يشاؤون منغلقون على أنفسهم ولا يسمحون بأي كان بالانخراط في جمعياتهم". وقال محمد الحشفي رئيس جمعية المحافظة على التراث بالمدينة العتيقة "منخرطونا كلهم من داخل سور المدينة العتيقة وليس بيننا من هو خارجها ونحن من كنا وراء إزالة ماخور هذه المنطقة الملوثة للمدينة العتيقة رغم الإيقافات التي شملت البعض منا في تلك الفترة ومنهم العضو الناشط جمال شاباطي، وضعية المدينة العتيقة خطيرة، تعالوا وشاهدوا حجم الفضلات والأشخاص الذين يحفرون ليلا في المعالم الأثرية وينهبونها، أين السلط من هذا؟ جمعية صيانة مدينة سوسة التي تملك نفوذا كبيرا ولها كل الصلاحيات نصبت نفسها حامية للمدينة العتيقة وتتلقى منحا من اليونسكو منها منحة تجاوزت ثلاثة مليون دينار، أين ذهبت كل هذه الأموال في ظل رئيس متمسك برئاسة الجمعية لمدة ثلاثين سنة ولا يسمح لأحد بالاشتراك وقامت بكل التجاوزات فقد نسفت التراث". وقد فنّد عبد الجليل بوراوي رئيس جمعية صيانة مدينة سوسة كل ذلك وأضاف قائلا "الجمعية مفتوحة للجميع، قمنا بصيانة العديد من المعالم ورفعنا العديد من الشكاوى ولكن للأسف منذ أن وقع فصل أعوان التراتيب عن البلدية وإلحاقهم بالولاية أصبحوا لا يقومون بشيء فمن 34 قرار هدم داخل المدينة العتيقة لم ينفذوا إلا قرارين وبضغط مني". وكشف خالد عيسى رئيس جمعية البحوث والدراسات في ذاكرة مدينة سوسة عن ما أسماه "اللوبيات التي تستهدف المعالم التراثية المهملة مضيفا "هناك باعثون عقاريون كبار في سوسة يتربصون بالمعالم التراثية ويريدون تهديمها لاستغلال أراضيها الإستراتيجية في مدينة سوسة في ظل انعدام المساحات منها نوايا في هدم القابادجي بمنطقتيه ومقر المونوبري سابقا وسط المدينة ومعهد باب جديد وغيرها من المعالم. البلدية بلا سلطة في المقابل أكّد مكرم شويخ الكاتب العام لبلدية سوسة أن البلدية حريصة على تطبيق القانون وإيقاف مختلف التجاوزات وبصدد إصدار قرارات بإزالة الأكشاك تحت سور المدينة وتفعيل مختلف القرارات ضد كل المخالفين. وتساءل رئيس لجنة التراث ببلدية سوسة مراد البحري "لا بد من طرح الاستفسار هل حافظنا حقا على هذا التراث؟ فلم نعد نر غير مبان مجردة من كل روح تنفق الدولة الملايين لترميمها ولكن دون استثمارها في أنشطة ثقافية حقيقية مثل قصر الرباط الذي تنفق عليه سنويا أموالا طائلة ولكن اقتصر دوره على استقبال بعض السياح للزيارة لا غير في وقت كان من المفروض تنشيطه ثقافيا ووضع مشروع ثقافي لتنشيط مختلف الفضاءات التراثية وغرس الحس التراثي لدى الناشئة والتعامل مع المؤسسات التربوية لخلق نواة نواد تعنى بالتراث وزرع الغيرة على تراثهم". وحول التصدي لمختلف التجاوزات والانتهاكات قال البحري إنّ "المشكل يكمن في أننا لا نملك السلطة التنفيذية لأن الجهاز التنفيذي خرج من سلطة البلدية فأصبحنا مشلولين بيد واحدة ولكن رغم ذلك هناك قرارات لا بد من تنفيذها اليوم وهي أكيدة وعاجلة تخص الانتهاكات الحاصلة للسور ومختلف المعالم". واكّد رياض حاج سعيد متفقد جهوي للتراث بالساحل بالمعهد الوطني للتراث أنه قام بتحرير 80 تقريرا حول التجاوزات منذ الثورة ورفعها إلى الولاية ولكن لم يقع اتخاذ أي قرار لا من البلدية ولا من الولاية مضيفا "نأمل بعد انتخاب المجلس البلدي الجديد ومن الولاية تفعيل مختلف القوانين والقرارات ضد مختلف التجاوزات والانتهاكات الحاصلة". أرقام ودلالات 9 ديسمبر 1988 تصنيف مدينة سوسة العتيقة تراثا عالميا من طرف اليونسكو 280 عدد المعالم الأثرية في سوسة 6 معالم مفتوحة للزيارة 80 تجاوزا ارتكب منذ الثورة