تونس(الشروق) يؤدي الفايسبوك دورا كبيرا في صناعة الرأي العام التونسي بما يحمله من نقل سريع وآني للمعلومة غير أن هذا الفضاء الافتراضي لا يخلو من الاشاعات والاكاذيب وحملات الشيطنة والتوظيف المنتشر يوميا بشكل بات يهدد استقرار البلاد. فمن المسؤول اليوم على تواصل آثاره السلبية على الدولة والمجتمع، وكيف السبيل الى الحيلولة دون توظيفه في إحداث البلبلة ؟ ومن جهتها نبهت وزارة الداخلية أمس عموم المواطنين من خطورة تداول الاخبار المغلوطة والمنشورات الزائفة التي يتم ترويجها على أنها تحركات احتجاجية و اعمال شغب بغاية التحريض على الفوضى وزعزعة الأمن داعية وسائل الاعلام الى التحري في صحة الأخبار المنشورة واستيقاء المعلومة من مصادرها، فمن المسؤول اليوم عن توظيف الفايسبوك في تهديد استقرار البلاد؟ سوق سوداء تغافلت عنها السلطة والمعلوم أن ظاهرة توظيف الفضاء الافتراضي ( مواقع التواصل الاجتماعي، والصحف الالكترونية غير المرخصة..) ليس وليد اللحظة. حيث سطع نجمها كما يقول رئيس القصبة رفيق نور بن كيلاني ابان الثورة حين اكتسبت «مشروعية اجتماعية» في سياق التعبير ورفع لواء الاعلام البديل قبل ان يصل عدد المشتركين التونسيين في الفايسبوك حاليا الى 7 ملايين و12 الف ناشط اضافة الى مليوني صفحة تقريبا. ويبرز بن الكيلاني ان غياب الهيكلة القانونية للمضامين المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تحول فضاءاته الى سوق سوداء يجند فيه الآلاف لخدمة مصالح ضيقة حتى ان العديد من مساعي «تقنين الفايسبوك» ظلت حبيسة فقدان الارادة السياسية لتفعيلها مضيفا ان هذا المطلب تصدر اشغال المؤتمر الوطني لمناهضة العنف سنة 2013 والذي شغل فيه خطة مقرر لجنة التوطئة غير أن تلك المطالب لم تجد اذانا صاغية. منظمات حقوقية تدفع الى الوراء والى جانب غياب الارادة السياسية في تقنين مضامين الفضاء الافتراضي يلاحظ محدثنا تدخل عدد من المنظمات الحقوقية تحت شعار الدفاع عن حرية التعبير للحيلولة دون بعث هيكل رقابي رسمي يرصد جملة التجاوزات والاخلالات في المضامين الفايسبوكية ومجمل التوظيفات السياسية لها معتبرا ان الاقتراب تدريجيا الى مواعيد الاستحقاقات الانتخابية يدفع الى ازدهار «السوق السوداء « الافتراضية التي تتقاطع فيها حملات ممنهجة يمكن تلخيصها في 3 اصناف وهم المأجورون من اصحاب الخبرة الاتصالية العالية والذين يعملون ك»مرتزقة» قصد الترويج لمعلومات ما وصنف ثان اصحاب الصفحات الكبرى الذين لا يتورعون في بيع او كراء صفحاتهم بعد تضخيم عدد متابعيها بتقنيات خاصة و بتمويل بالعملة الصعبة وصنف اخير يهم المتطفلين على المجال الإعلامي من بين الناشطين في صحف الكترونية غير مرخص فيها. على النيابة العمومية أن تتحرك ومن جهته يرى أستاذ القانون رابح الخرايفي انه لا ينبغي على وزارة الداخلية الاكتفاء بالتنبيه وإصدار البيانات داعيا في هذا السياق النيابة العمومية الى التحرك بشأن كل المعطيات المنشورة في الفضاء الافتراضي والتي من شأنها أن تعكر الصفو العام. واوضح الخرايفي ان الفصول القانونية الواردة في المجلة الجزائية و في قانون مكافحة الارهاب كفيلة بالتصدي لكل الصفحات الفايسبوكية التي تدعو الى الفوضى ونشر الاخبار الكاذبة التي من شأنها زعزعة أمن البلاد معتبرا ان استمرار فوضى الصفحات الفايسبوكية مسؤولية يتحملها الجميع وردعها موكول الى النيابة العمومية. كما يلاحظ القاضي احمد الرحموني في منشور له على موقع المرصد التونسي لاستقلال القضاء ان المساحة المتاحة للتعبير و الممارسة الديمقراطية في مواقع التواصل الاجتماعي تقتضي ممارسة الدور الرقابي كي لا يتحول الحق في التعبير الى ممارسة موجهة يراد منها النيل من الاعراض او الثلب والتشوية. فهل من تشريعات اضافية تحكم تنظيم ما ينشر في هذا الفضاء ؟ غياب الأخلاقيات أسوأ من نقص التشريعات وفي غرة ماي من العام الحالي صادق مجلس الوزراء على مشروع قانون مكافحة الجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال يهم محاور سلامة انظمة المعلومات والبيانات الرقمية وسريتها من دون التطرق الى الجرائم السبرنية التي تكون مواقع الاتصال الاجتماعي فضاء لها ، زد على ذلك ان مشروع القانون المذكور لم تتم احالته بعد على البرلمان. ولم تتم استشارة مكونات المجتمع المدني بخصوصه ناهيك ان عددا كبيرا من الجمعيات طالب بمراقبة مضامين مواقع التواصل الاجتماعي مرارا وتكرارا على غرار جمعية "مراقبون" التي اشتغلت سنة 2014 على مشروع يهدف الى مراقبة «الفايسبوك» باعتباره بمثابة الوسيلة الإعلامية التي تؤثر في الجميع والتي تقتضي صياغة معايير أخلاقية يلتزم بها الجميع. وهذا مايعبرعنه جزء من السياسيين. ومن جهته يرى نائب الجبهة الشعبية مراد الحمايدي أن الاطراف السياسية المتداخلة في حملات التوظيف السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي تعمد في رأيه الى الدعاية السياسية لمنجزاتها مقابل ضرب خصومهم والتحقير منهم وتشويههم لافتا النظرالى ان معالجة الظاهرة تقتضي بعدا اخلاقيا على اعتبار ان المعالجات القانونية الامنية في رأيه تؤدي حتما الى التضييق من حرية التعبير. وفي المحصلة تدفع «مرتزقة» الفايسبوك الى تهديد استقرار البلاد لاسيما ان تونس مقبلة على الاستحقاقات الانتخابية التي تغذي «مبادلات» سوقه السوداء التي لا تتورع في حملات التشهير والشيطنة و نشر الاكاذيب مالم تأخذ مؤسسات الدولة الملف مأخذ الجد وتبادر بحله.