السنة الإدارية الجديدة محطّة دأب التونسيون على التوقف عندها لمراجعة ما فات والاستعداد لما هو آت ولو كان ذلك من قبيل الانتظارات والأمنيات. وحين يستذكر الشعب التونسي حصاد السنة التي ودعناها فإنه سيتوقّف لا محالة عند غلاء الأسعار وانهيار الدينار ومعه المقدرة الشرائية. كما سيتوقّف عند ضعف وتائر التنمية والتشغيل وكذلك عند المصاعب التي تحول دون عودة عجلة الاقتصاد عموما إلى دورانها الطبيعي. التونسيون سيتوقّفون كذلك عند الاضطرابات التي تعصف بالتعليم الثانوي والعالي بما جعل الحيرة والقلق تسكنان كل العائلات تقريبا بالنظر إلى العدد الهام من التلاميذ والطلبة الذين لا تخلو منهم عائلة تقريبا. ذاكرة التونسيين سوف تتوقف كذلك عند الاضطرابات التي شهدتها عديد الجهات مطالبة بالتنمية والتشغيل وتحسين ظروف العيش... وذلك دون نسيان الإضرابات التي أهدرت الكثير من الخيرات. لكن كل هذه الأشياء التي تمس مباشرة واقع المواطن التونسي لا يمكن أن تحجب أداء السياسيين من حكام ومن نخب سياسية... وهو أداء طبع بكثرة الهزّات التي عصفت بالتوافق بين رئيس الدولة وحركة النهضة كما أحدثت «صداعا» في رأس السلطة التنفيذية إثر حدوث برود شديد يداني القطيعة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة.. وهذا الأداء الموغل في اللهث وراء الكراسي والمنافع والمواقع لم يزد إلا في تعميق الفجوة بين السياسيين وبين عامة الناس من أقصى البلاد إلى أقصاها بما يجعلنا نلوذ بالانتظارات والأماني برؤية جل المصاعب والمشاكل تتبدّد في السنة الإدارية الجديدة. الشعب التونسي وهو يقف على عتبات عام جديد يتطلّع إلى رؤية السياسيين يعودون إلى الجادة ويقيمون الدليل أن خلافاتهم وصراعاتهم هي من أجل المواطن ومن أجل خدمة المواطن وليس من أجل ركوب المواطن ومن أجل المصالح الحزبية والفئوية الضيّقة. الشعب يريد أن يرى مسؤولين يشمّرون على سواعد الجد ويجتهدون في صياغة برامج ورؤى واستراتيجيات تفضي إلى تغيير واقع البلاد والعباد نحو الأفضل. يريد أن يرى سياسيين وقد تركوا صراعاتهم وخلافاتهم جانبا ومعهم كل النخب السياسية من أجل استنباط أقصر السبل وأيسرها لتدارك ما فات وإنقاذ البلاد من المأزق الخطير الذي تردّت فيه والذي بات يهدد بانهيار شامل سوف لن يبقي ولن يذر لو حدث لا قدر الله. الأصل في المسؤولية أنها تكليف وليست تشريفا. والأصل في المسؤولية هو الإقبال على خدمة الناس وخدمة البلاد وليس الركوب لتحصيل المنافع والمكاسب. الأصل في المسؤولية هو الإقبال على العمل ثم العمل لإعطاء المثل والقدوة لعامة الناس ليدرك الجميع أن تغيّر الأحوال والضغط على الأسعار وإيجاد مواطن الشغل وتحسين ظروف الحياة والانتصار على الإرهاب وتأمين مستقبل تونس وأجيالها القادمة ليست أعطيات تنزل من السماء.. وإنما أهداف تتحقق بالعمل والكد وتحديات ترفع بالتحلي بروح المسؤولية وبالذوبان في الصالح العام. ومتى تحلى المسؤولون ومن خلفهم كل التونسيين بهذه الروح الإيجابية البنّاءة فإنه سوف يصبح ممكنا التطلّع إلى رؤية كل هذه الأهداف والأماني تجد طريقها إلى التنفيذ في هذا العام الجديد وفي الأعوام التي سوف تليه. وكل عام وتونس وكل التونسيين بألف خير.