بالنظر الى ما يبدو واقعيا من صعوبات متعلقة اساسا بهيئة الانتخابات والمحكمة الدستورية وتواصل الازمة السياسية فهل يمكن لهذه المعطيات الثلاثة أن تعطل إجراء الاستحقاقات الانتخابية في موعدها الدستوري؟ تونس الشروق: ولمّا كان الدستور القاعدة القانونية العُليا للأنظمة والقوانين التي تسير عليها الدولة لحل قضاياها بجميع أنواعها، فإنّ تحديد مواعيد الاستحقاقات الانتخابية فيه أمر مدستر لا يرقى إليه الشك أو الاختلاف. والمواعيد الدستورية للانتخابات حُدّدت بالنسبة للتشريعية في الفصل 56 حيث «يُنتخب مجلس نواب الشعب لمدة خمس سنوات خلال الأيام الستين الأخيرة من المدة النيابية. وإذا تعذر إجراء الانتخابات بسبب خطر داهم فإن مدة المجلس تمدد بقانون»، بينما ضبط الفصل 75» يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة خمسة أعوام خلال الأيام الستين الأخيرة من المدة الرئاسية...وإذا تعذر إجراء الانتخاب في موعده بسبب خطر داهم، فإنّ المدة الرئاسية تمدد بقانون»، فهل للصعوبات المتعلقة بهيئة الانتخابات والمحكمة الدستورية والازمة السياسية امكانيات دافعة لتأجيل الانتخابات؟ استمرار المرفق العام يُبين استاذ القانون الدستوري أمين محفوظ انه وفي صورة تواصل العجز في تجاوز أزمة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يحل مبدأ استمرار المرفق العام القاضي باستمرارية الدولة، ويقع تنظيم الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها، وأن تتحمل السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية والهيئات الدستورية مسؤولياتها. وقال محدثنا:» لنأخذ المثال البريطاني، انقلترا ابّان الحرب العالمية الثانية، لم تمنعها صعوبة الظرف من اجراء الانتخابات في 25 جويلية 1945 والتي انهزم فيها وينستن تشرشل، الزعيم الذي بفضله انتصرت انقلترا في الحرب». ويشدّد أمين محفوظ على انّ الديمقراطيّة التونسية هي ناشئة، وانّ عمليات الانتقال الديمقراطي عموما لا تخلو من صعوبات وعراقيل، ومهما كانت نوعية هذه الصعوبات واحجامها، فإنها لا يمكن ان تكون حائلا امام انجاح الانتقال الديمقراطي باعتبار أنّ أي تأخير أو محاولة لتأخير الانتخابات يلحق بالمشروع الديمقراطي أضرارا وخيمة العواقب سيّما وأنّ التجربة التونسية انموذج في شمال افريقيا ومحيطها العربي. التدارك ممكن واذا ما اعتبرنا أنّ المبدأ القانوني القاضي باستمرار المرفق العام يتيح تثبيت المواعيد الانتخابية، فان المعطى السياسي يزيد في حجم اخطار المُضي إلى انتخابات دون فضّ أزمة هيئتها، وهُنا يُلاحظ اُستاذ القانون العام رابح الخرايفي أنّه من حيث جاهزية الإدارة الانتخابيّة فهي جاهزة حتى في غياب التجديد وانتخاب الرئيس، غير أنّ أعمالها في هذه الحالة ستكون محل تشكيك يمكن أن يقود البلاد الى توتّرات غير معلومة النتائج لو جرت الانتخابات برئيس مُستقيل. ويرى محّدثنا أنّ التدارك مازال مُمكنا من اليوم إلى حدود شهر أفريل، وهذه المُدة في رأيه كافية لتنظيم الانتخابات في موعدها سيّما وأن ميزانية هيئة الانتخابات وقعت المصادقة عليها و مجمل القرارات الترتيبية جاهزة . ولا يبدو للمحكمة الدستورية تأثير كبير في الالتزام الدستوري بتنظيم الانتخابات في موعدها حيث ان اهميتها تتمثل في كونها مؤسسة من مؤسسات الجمهورية الثانية كان من المفروض تركيزها في السنة الأولى من انتخاب مجلس نواب الشعب ويتقاطع دورها في العملية الانتخابية سوى في معاينة شغور رئاسة الجمهورية في حالة من الحالات المبينة في القانون فحسب. شبح الخطر الداهم لقد بينت الفصول الدستورية ان الحالة الوحيدة التي يمكن من خلالها تأجيل الانتخابات هي حالة الخطر الداهم، غير ان هذا الخيار له مرتكزاته القانونية والموضوعية التي لا تخضع الى دوافع ذاتية متصلة بالازمة السياسية، وستكون له تبعات وخيمة العواقب وفق امين محفوظ الذي يصفه بالضربة القاتلة للانتقال الديمقراطي وانه وان وقع الاحتكام اليها فان ذلك يمثل في رأيه تواصلا مع التقاليد السائدة التي تمظهرت مع ثورة علي بن غذاهم سنة 1864 وتلك الشعارات الشعبية المنادية ب»كفى دستورا». وشبح الخطر الدائم تقلل منه أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي والتي اكدت في تصريح سابق :» نحن لا نعيش اليوم تحت طائلة الفصل 80، ولا نعيش في ظل حالة الاستثناء مثل خطر داهم يهدد استقرار البلاد، بل ان الفصل 80 ذاته يطرح مشكلا في تفعيله، لأننا لا نملك محكمة دستورية إلى اليوم». وشددت القليبي على ان المواعيد الانتخابية ليست وجهة نظر أو تصور بل مضبوطة دستوريا، وتمثل تعبيرا للتداول السلمي على السلطة الذي تقوم عليه الديمقراطية، مهما كان المشهد السياسي مضطربا. المجتمع المدني يدعو الى تغليب المصلحة الوطنية دعت 8جمعيات تعنى بالشأن الانتخابي امس الى إسناد الأولوية المطلقة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في جدول أعمال البرلمان وذلك بتحديد موعد لجلسة عامة انتخابية في أقرب وقت ممكن لا يتعدى شهر جانفي الجاري وتسوية هذا الملف لتنصرف الهيئة إلى القيام بمهامها وتستعد جديًّا للاستحقاقات الانتخابية القادمة. ودعت كل من جمعيات البوصلة و عتيد وائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات وشباب بلا حدود وكلنا تونس ورابطة الناخبات التونسيات وشبكة مراقبون ومرصد شاهد النواب الى الالتزام بالحضور والانضباط والتصويت بكثافة بعيدا عن التَّجاذبات السياسيَّة مع تغليب المصلحة الوطنيّة معتبرة ان عدم تسوية وضعية الهيئة في أقرب الآجال شانه إرباك عملها وتعطيل مسار الانتخابات التشريعية والرئاسية.