مع بَدء العَدّ التنازلي لمائوية الترجي الرياضي التونسي تُسيطر الرّهبة والفَرحة مَعا على أجواء مركب المرحوم حسّان بلخوجة وهو واحد من عشرات الرّجال الأفذاذ الذين صَنعوا تاريخ هذه القلعة الرياضية التي بَقيت «أعمدتها» ثابتة في ساحة «باب سويقة» وفروعها مُمتدّة على طُول البلاد. ومع اقتراب 15 جانفي تَستيقظ في الترجيين الذكريات القديمة والتَضحيات الجسيمة التي قدّمها الآباء المُؤسّسون لتولد هذه الجمعية من رحم الألم وتخرج هذه «الأسطورة» من ضِيق الاستعمار وجَحيم الفَقر إلى أضواء الشّهرة وسَاحات المَجد. نُقطة البداية الترجي قصة طويلة عُمرها مائة عام إلاّ بضع أيام لذلك فإنّه من الطبيعي أن تَغيب بعض التفاصيل والجزئيات التي تَهمّ البدايات الأولى والثّابت حسب كلّ المُوثّقين لولادة شيخ الأندية التونسية أن حجر الأساس وضعه رجلين بألف رجل والكلام طبعا عن المَرحومين محمّد الزواوي والهادي القلال. وهُناك تَوافق تامّ حَول «الانقلاب» الذي أحدثه محمّد الزواوي بعد أن قرّر فكّ الارتباط مع أندية الاستعمار وأعلن على الملأ أنّه عَازم على بَعث جمعية تونسية مُسلمة وتكون مفتوحة لأبناء البلد من أجل تَخليصهم من الاستفزازات والمُضايقات التي يتعرّضون لها في صفوف الجمعيات التابعة للحماية الفرنسية أوتلك الخاصّة ببقية الجاليات المُنتصبة في تونس (وقد تحدّث المؤرخون بإسهاب عن الأحداث الدامية التي عرفتها الدورة الرياضية المُختلطة عام 1917 بين الملعب الافريقي وملعب تونس العاصمة: الأوّل عبارة عن خليط من الفرنسيين والتونسيين والثاني يرتكز على الجالية اليهودية). لحظة فارقة بَعد أن قرّر الزواوي دفع الرياضيين التونسيين إلى «الانسلاخ» التَامّ عن الأندية الأجنبية كان لِزاما عليه أن يتسلّح بإصرار كبير ويحشد كلّ الأصدقاء لتحويل الحلم إلى حقيقة وتَكذيب الآراء القائلة بأن ذلك الاسكافي المُعدم والذي لا يملك من متاع الدنيا غير وطنيته وقُوت يومه سيبعث فريقا يُزاحم الأجانب ويُغيّر الثقافة السائدة عن كرة القدم بوصفها ضربا من اللّهو والطيش. هذه الدوافع النّضالية حرّكت قلوب الكثيرين لينضمّوا إلى «مشروع» الزواوي ومن هؤلاء الهادي القلال الذي وضع اليد باليد مع صَديقه ليُخرجا «الفِكرة» من السِرّ إلى العَلن. الولادة كانت طبعا عَسيرة لكن الإرادة الفُولاذية للزواوي والقلال ومن معهما من أنصار جَعلتهم يجتازون كلّ الامتحانات والفِخاخ بما في ذلك اجراءات الحصول على الترخيص الرسمي. وجاء في «الموروث» الشفوي والكتابي للشاهدين على العصر أن الزواوي والقلاّل استنجدا بصديقهما الطيّب بدرة ليأتيهما «خلسة» بالقانون الأساسي لفريق «راسينغ كلوب» وقد تولّى القلال استنساخه حَرفا حرفا على ضَوء الشّموع وبعين دامعة فَرحا وأملا هذا قبل أن ينبلج الفجر ويُعيد الجماعة الوثيقة المُستنسخة إلى مكانها ودون أن يتفطّن أصحابها. وبعد تجاوز عائق النظام الأساسي تباحث الجماعة في موضوع الاسم وسرعان ما وقع الاتفاق على أن يطلق على فريقهم «الترجي» نسبة إلى المقهى الذي كانوا يجتمعون فيه وهذا المَقهى موجود بالقُرب من نهج الجزيرة ونهج مصطفى مبارك (بعض العارفين بتاريخ الكرة وبجرافيا المدينة العتيقة يعتبرون أن فكرة إنشاء قُطبي العاصمة وُلدت في «تُخوم» المدينة قبل أن يَنتسبا رمزيا وماديا ل»باب سويقة» و»باب الجديد»). أمّا بالنّسبة إلى الأزياء فقد اختار المُؤسسون اللونين الأبيض والأخضر. وقد تحصّل الفريق على مضمون الولادة بصفة رسمية يوم 15 جانفي وسط فرحة عَارمة خاصّة أن الترجيين انتظروا عدّة أشهر لإقتلاع الترخيص ومُباشرة النشاط بقيادة محمّد المالكي بعد حُكم قصير وصُوري للفرنسي «مُونتاسيي» الذي فرضه الاحتلال بالقوّة قبل الاستجابة لإرادة «المكشخين» وابعاده غير مأسوف عليه. وقد يقول البعض إن الحكاية الترجية شبيهة ب»خرافات» العروي لإختلاط «الأسطورة» بالحقيقة لكن ما هو أكيد وثابت أن الجمعية تأسّست لتحقيق أهداف وطنية مغلّفة بالأنشطة الرياضية ولاشك في أن المُتابعين لمختلف المواقف الصّادرة عن الزواوي يبصمون بالعشرة على هذه الحقيقة التاريخية. (يتبع)