تَحدّثنا أمس عن الظروف القاسية التي رافقت وضع اللّبنة الأولى في بناء الترجي بتاريخ 15 جانفي 1919 وذلك على يد محمّد الزواوي والهادي القلال ومن معهم من رجال آمنوا بأن الوقت قد حَان لفك القيود وتأسيس جمعية تونسية خَالصة وتكون فَاعلة في المشهد بَدل «عيشة الذلّ» في صُفوف الأندية التابعة ل «العَكْرِي» أوتلك التي تستقطب أفراد الجاليات الأجنبية المُنتصبة في بلادنا زمن الاستعمار المَقيت. وقد جاءت ولادة الترجي عَام 19 لتمنح الرياضيين التونسيين «استقلاليتهم الرياضية الجُزئية» وتُنهي الأعوام الطويلة التي قضّاها جلّ أبناء الدار في «الفُرجة» على هذه اللّعبة الدَخيلة والعَجيبة. وقد كانت الفرصة سانحة لاستكشاف «سِحر» الجلد المنفوخ من خلال أنشطة الفرنسيين والطّليان واليهود والمَالطيين (بين 1906 و1913 حسب ما جاء في كتاب مصطفى الزبيدي عن تاريخ الكرة التونسية على امتداد قرن من الزّمن). ومن الواضح أنّ ظهور الترجي في تلك الفترة كان الثّمرة الأولى لحَالة النّضج التي بَلغها الرياضيون التونسيون الذين أظهروا وعيا كبيرا بالدور البارز الذي ستقوم به الكرة في دعم الحَركة الوطنية والدفاع عن الهُويّة. هدية زويتن لئن وضع الزّواوي والقلاّل نقطة البداية في المسيرة الترجية فإنّ الدكتور الشاذلي زويتن سيقود الفريق إلى تحقيق قفزة صَاروخية على كلّ المُستويات. وَيُعتبر زويتن شخصية محورية في «الظّاهرة» الترجية خاصّة إذا عَرفنا أنّ هذه القَامة الرياضية هي التي أهدت الفريق البدلات الصّفراء والحمراء لتصبح الأزياء الرسمية والأبدية لشيخ الأندية التونسية. وتقول الرّوايات (وهي في عدد ألقاب الترجي)، أنّ زويتن التحق بنادي «باب سويقة» في مطلع العِشرينيات وقد جَلب معه هذه البدلات الصفراء والحمراء لتعوّض الأزياء البيضاء والخضراء التي كانت الجمعية قد استخدمتها في مُستهل المشوار. وَيَتوغّل البعض في التَفاصيل ليؤكدوا أن البدلات الصّفراء والحمراء التي أهداها المرحوم زويتن ل»المكشخين» هي جزء من تركة الفريق الذي كان ينشط في صفوفه زويتن أيام الدراسة. وقد وقع حلّ هذا النادي وتقسيم مُمتلكاته فخيّر زويتن الحصول على الأزياء ولم يخطر على باله بأنها ستكون من نَصيب الترجي الذي نشأ في مقهى صغير ليصبح في مرحة مُوالية «أسطورة» شَغلت النّاس لقرن من الزّمن. شخصية جامعة زويتن لم يُقدّم للترجي الأزياء الذهبية فحسب بل أنّه غيّر مجرى التاريخ في الفريق بما أن شيخ الأندية عرف على يد رئيسه التاريخي الصعود إلى القسم الأوّل عام 1936. ومع زويتن تذوّق النادي حلاوة التَتويجات بالكأس والبطولة سنتي 1939 و1942. وفي عصر زويتن أيضا خرج الفريق من دائرة المحلية ليشارك في المُسابقات المغاربية خلال الأربعينيات وتقول بعض الروايات إن زويتن (وهو سَليل المنستير) حزّ في نفسه تداول اسم الترجي الرياضي أثناء مغامرته الدولية دون التنصيص على اسم تونس وهو ما دفعه إلى التحرك فورا لإضافة عبارة «التونسي» للفريق ليصبح الاسم الرسمي والنهائي: الترجي الرياضي التونسي. نجاحات الترجي مع رئيسه التاريخي امتدت من فترة الاستعمار الظالم إلى فجر الاستقلال «الحَالم» والأهمّ من تلك التتويجات المُهمّة في المسيرة الترجية أن الرجل أظهر كفاءة كبيرة ووطنية عالية حتى أنّه وجّه جزءً من مجهودات أبناء الترجي للعمل التطوّعي من بوّابة الهلال الأحمر. ولم يكتف زويتن بخدمة الترجي بل أنه ترك أيضا بصمته في اللّجنة الوطنية الأولمبية التونسية ورابطة كرة القدم ثمّ جامعة الكرة التي يُعتبر زويتن رئيسها الأول بعد الاستقلال. كل هذا دون أن ينشغل عن شيخ الأندية الذي ودّع رئيسه عام 1963 بعد حادث مروري مُحزن. لقد كتب زويتن اسمه بالحِبر الذهبي في سجلات الترجي وفي رياضتنا عُموما لذلك بكاه الجميع لحظة الرّحيل. (يُتبع) زويتن في سطور من مواليد عام 1901 في المنستير مختص في طب الأسنان رئيس الترجي من عام 1931 إلى حين وفاته سنة 1963 رئيس اللجنة الوطنية الأولمبية بين 1960 و1962 ترأس رابطة كرة القدم أول رئيس لجامعة كرة القدم بعد الاستقلال