ستشهد السنة الجارية تنظيم انتخابات عامة جديدة في تونس للتصويت لبرلمان جديد ورئيس جمهورية جديد وذلك في ثالث انتخابات شفافة تشهدها البلاد ما بعد الثورة. تونس(الشروق) ولئن يدور النقاش حول تقديرات نسبة المصوتين ونوايا التصويت يغيب السؤال حول حصاد السنوات الخمس التي أعقبت انتخابات 2014 فماذا تحقق؟ ومن نحاسب؟ كان من المنتظر ان تمر تونس ما بعد انتخابات 2014 الى مرحلة من الاستقرار الذي هو حاضنة لمعالجة الازمة الاقتصادية والاجتماعية إلاّ ان تطورات المشهد السياسي سدّت الطريق واسهمت في تفاقم الازمة الاقتصادية والاجتماعية والتي من ابرز ملامحها عدم تحقيق نسبة نمو اقتصادي حقيقي وبالتالي تراجع جميع المؤشرات الاقتصادية والتي كانت لها تداعياتها المباشرة على السياسات الاجتماعية للدولة وتراجع الخدمات الأساسية واضطراب قطاع التعليم بسبب ازمة الزيادة في الأجور والتي هي ظلّ لازمة المالية العمومية. مؤشرات سلبية ويشير خبراء الاقتصاد الى ان مؤشر ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك تسارعت وتيرته خاصة منذ 2014 ليصل اقصى مداه في سبتمبر 2015 اذ بلغ نسبة 6.5 بالمئة وبلغ نسق الزيادة حوالي 1.1 بالمئة من شهر الى اخر. زيادة اثمرت تضخما وصفه الخبراء ب»ذي المنحى الخطّي الذي يصعب تراجعه بحكم طابعه النقدي والهيكلي». وبارتفاع مستوى الأسعار تدهورت المقدرة الشرائية للتونسيين وبلغت نسبة التضخم حدود 7.5 بالمئة مع نهاية العام 2018. وبتدهور المقدرة الشرائية شُرّعت أبواب البلاد على أزمات متنوعة تتعلق بالزيادة في الأجور مسّت قطاعات حيوية مثل التعليم. تشير الأرقام أيضا الى تغير مفاجئ في مؤشر الأسعار عند الإنتاج والذي كان في حدود 4,5 بالمئة كمعدل سنوي الا انه قفز خلال سنتي 2015 و2016 الى 6 بالمئة ويعكس هذا الرقم القيمة الحقيقية لاسعار المنتجات وبالتالي ارتفاع كلفة الإنتاج وتراجع القدرة التنافسية للقطاعات اجمالا وفقا لتفسيرات خبراء الاقتصاد. كما شهدت السنوات الأربع الماضية انزلاقا حادا لقيمة الدينار امام سعر العملتين الرئيسيتين في سوق الصرف خاصة منذ دخول القانون الأساسي للبنك المركزي في افريل 2016 حيز التطبيق وهو القاضي بعدم تدخل السلط النقدية في تعديل وضع العملة الوطنية واخضاعها لمبدا التعويم. وقد سبق للمرصد التونسي للاقتصاد ان قدّم في تحليله حول انزلاق قيمة الدينار ارقاما تؤكد ان تراجع الدينار بنسبة 10 بالمئة يتسبب في تفاقم العجز التجاري بحوالي 1.1 مليار دينار. من نحاسب؟ مجمل هذه المؤشرات الاقتصادية السلبيّة أسهمت في مزيد تعقيد الوضع الاجتماعي فتفاقمت نسب الفقر والبطالة كما تزايد حجم الديون الخارجية ولم يكن في حوزة كافة الحكومات المتعاقبة أي برنامج انقاذ واضح لإنقاذ الخزينة العامة وإنقاذ الاقتصاد ومن ورائه انقاذ المؤشرات الاجتماعية من مزيد من الانهيار. إذ بلغت نسبة البطالة مع نهاية العام 2018 15.5 بالمئة واستقرت الحصيلة السلبية للميزان التجاري في حدود 15592 مليار دينار. كما تزايدت مع نهاية العام الرابع في المدة النيابية للأحزاب الفائزة في انتخابات 2014 ازمة الحوض المنجمي وتفاقم العجز الطاقي ليبلغ 1473 مليون دينار الى غاية افريل 2018. وزادت أيضا الازمة العقارية في البلاد لتشهد أسعار العقارات زيادة بحوالي 24.8 بالمئة خلال الربع الأخير من العام مقارنة بنفس الفترة من العام 2015. كما تضاعف أيضا عدد الفقراء في البلاد بسبب مجمل هذه المؤشرات والتي انعكس ظلها على مستوى الأسعار وبالتالي القدرة الشرائية للمواطنين ليبلغ عدد الفقراء في البلاد 1693968 حوالي 321 الفا منهم يعانون من الفقر المدقع أي انهم عاجزون عن توفير الحاجيات الحياتية الأساسية مثل الغذاء والسكن. هذا ما كان عليه حصاد الأربع سنوات من نظام حكم الفائزون في انتخابات 2014 وهو في المحصلة نتيجة أساسية لعدم الاستقرار السياسي الذي اغرق فيه حزب نداء تونس البلاد فالحزب عجز عن السيطرة على مشاكله الداخلية ففاضت خارج الحزب وفاضت على الدولة وتشكّلت خارطة سياسية جديدة الحقت الحزب الفائز بصفوف المعارضة مع اقتراب نهاية المدة النيابية خلال هذا العام. فمن نحاسب؟ هل نحاسب جناح نداء تونس المغادر للحكم ام نحاسب جناح نداء تونس الذي ما زال يحكم والمحاسبة لا تقف بالضرورة عند نداء تونس بل ان منظومة الحكم تشكلت من حزب حركة النهضة أيضا والتي لم تغادر الحكم منذ العام 2012. هذان الحزبان لا يمكن في المحصلة محاسبتهما لانه منذ البدء لم يكن في حوزتهما أي برنامج اقتصادي واجتماعي حقيقي يساعد على اخراج البلاد من ازمتها وبالتالي لا يمكن محاسبتهما وإن توجبت المحاسبة فهي لمن اختار التصويت لحزب لا برنامج له.