عندما يتكلم أغلب التونسيين حتى لا أقول كلهم عن الفساد بعد 14 جانفي فانهم يأسفون على الحال التي أصبحت عليه بلادنا لاسيما في ظل ظهور «طرابلسية جدد» أكثر عددا وأكثر فسادا وليس فقط ضمن رجال الاعمال او المهربين بل ضمن السياسيين واصحاب النفوذ. تونس الشروق: نتناول اليوم ملف الفساد بعد 14 جانفي 2011 الذي اعتقد التونسيون انه سيتم القضاء عليه بعد ان ثاروا على نظام بن علي. وطالبوا بالقطع مع استغلال النفوذ والانتماء الى العائلة الحاكمة للحصول على امتيازات دون وجه حق والقضاء على «الخموس والعشور» وبالتالي القضاء على الفساد الذي كان ينخر جميع الأجهزة وتحقيق العدالة بين التونسيين كعنصر أساسي للحفاظ على الكرامة. ولكن في دراسة لمؤسسة كارينغي للسلام الدولي شملت عينة ب391 تونسيا قال 76 بالمائة منهم إنه يوجد حاليا فساد أكثر من عهد بن علي. الأثرياء الجدد ارتفع بعد الثورة عدد السيارات الفاخرة التي تقاسمنا الجولان على الطرقات بشكل ملفت للانتباه. وازداد عدد عارضيها للبيع خاصة على الطريق الرابطة بين تونس والمرسى، مما يدفع الى التساؤل لمن هذه السيارات؟ ومن هم الاثرياء الجدد الذين سيمتلكون هذه السيارات ؟و من أين جاؤوا بالمال ؟وكيف استثروا بين عشية وضحاها ؟وفي هذا الاطار اعتبر الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني انه من التداعيات الخطيرة للثورة التونسية بروز طبقة جديدة في المجتمع التونسي ظهر عليها ثراء فاحش وغير مبرر يتجلى في تجول سيارات فارهة ، باهظة الثمن لايوجد لها مثيل الا في أوروبا او دول الخليج الى جانب الإقبال على شراء العقارات في أرقى الاحياء في العاصمة وضواحيها بأسعار مرتفعة في حين تشهد البلاد أزمة اقتصادية ومالية حادة علاوة على توسع الفوارق الاجتماعية وتراجع المقدرة الشرائية للمواطن. وأجمع -وفقا للمديني- مختصون وعارفون على ان اثرياء الثورة هم في الاساس تجار التهريب وتبييض الاموال الى حد أن أحدهم قال ان المجتمع التونسي صار شبيها بالمجتمع الايطالي الذي تسيطر عليه المافيات. واستند المديني الى تقرير مؤسسة «ويلث ايكس» السنغفورية المتخصصة في جمع المعلومات حول أثرياء العالم والذي كشف عن انه بعد عامين على رحيل نظام بن علي ارتفع عدد الاثرياء في تونس بنسبة 16,2 بالمائة في سنة واحدة اي من 2012 الى 2013. وبلغ عدد الاثرياء الذين يملكون ثروات تفوق المليارات 70 شخصا تقدر ثروتهم ب18 مليار دينار تونسي اي ما يعادل 275 مليارا للشخص الواحد. وهو ما جعل تونس تحتل المرتبة السابعة من حيث مجموع الاثرياء في القارة الافريقية. ووفقا للتقرير نفسه فإن 25 مهربا يتصدرون قائمة أثرياء تونس. كما تحتل تونس المركز الاول في المغرب العربي في قائمة اصحاب الثروات التي تتجاوز قيمتها 58مليون دينار. وحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية و مؤشرات احصائية احتلت تونس المرتبة الخامسة عالميا في تبييض الاموال. ويعتبر التهريب المتزايد من أبرز أسباب هذه الظاهرة. فساد الساسة يقول أحمد مطر كان قديما يدعى فساد ' تركوه حتى كبر وترعرع في بلادي ف..ساد وقوله هذا يختزل مشاركة الساسة واصحاب القرار في تونس في استشراء الفساد عوض الحد منه. اذ لم يقف عند حد رجال الاعمال والمهربين بل تجاوزه الى الطبقة السياسية الممثلة في الاحزاب والبرلمان. وهو ما أكده التقرير الذي أعدته مجموعة الازمات الدولية، بعد اجراء أكثر من 200 مقابلة مع فاعلين اقتصاديين وسياسيين ونقابيين. وأكدوا فيه أن مجلس نواب الشعب أصبح "مركز التقاء شبكات الزبونية» وأن عددا من النواب أصبحوا "مختصين في السمسرة. وتم التأكيد على ان من مولوا الأحزاب في الحملات الانتخابية الماضية، اصبحوا يؤثّرون مباشرة في تعيين الوزراء وكتاب الدولة وكوادر الإدارة المركزية والجهوية والمحلية بما في ذلك الديوانة وقوات الأمن الداخلي. وذكر التقرير أن أكثر المتنفذين موجودون في حوالي 100 مجلس إدارة بداية من البنك المركزي، مرورا بالمؤسسات المصرفية والمكاتب الحكومية و الاتحاد الوطني للصناعة والتجارة. وأبرز التقرير أن العديد من الموظفين يقيمون علاقات «زبونية» مع كوادر الإدارات العمومية بما فيها وزارات الداخلية والعدل والمالية ومع أعضاء الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والإعلام وعمادة المحامين. ونختم في هذا العنصر بأن «حاميها حراميها «. كثرة الهياكل تعددت الهياكل والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية التي تهدف الى مكافحة الفساد بما يوحي بأن الدولة وحكوماتها المتعاقبة بعد الثورة عازمة على القضاء عليه وليس الحد منه فحسب غير ان الفساد عم جميع المجالات. وشمل وفقا لشوقي الطبيب رئيس الهيئة العليا لمكافحة الفساد ملف الحج والعمرة. وبلغ حد محاولة بعض الشاكين استدراج أعوان الهيئة نحو الفساد الصغير تحت غطاء الكرم واللباقة. وتبنى رئيس الحكومة يوسف الشاهد الحرب ضد الفساد ووضعه ضمن أولوياته واختزلها في تصريح له « اما الدولة واما الفساد وانا اخترت الدولة». وشملت الحرب رجال الاعمال والمهربين حيث تم ايداع شفيق جراية السجن وياسين الشنوفي والمهرب المعروف بكنية الهادي وشواشة. ولئن استحسن التونسيون هبة الشاهد للقضاء على الفساد الا أن توقف ملاحقتهم على بعض الاسماء رغم ما يروج حول وجود قائمات متورطة وليس أشخاصا ضرب مصداقية حملته. واعتبرها البعض تصفية حسابات خاصة مع اشخاص بعينهم. وحتى لا نكون اكثر تشاؤما من الرأي العام مكافحة الفساد ليست صعبة ان توفرت الارادة السياسية لتطبيق القوانين على اصحاب المال والنفوذ قبل المواطن العادي .