قبل ساعات من الاحتفالات الترجية بالمائوية اخترنا مُحاورة أحد أشهر وأكبر «النُجوم» التي شَرّفت الجمعية وأمتعت الجماهير التونسية على اختلاف ألوانها. والحَديث طبعا عن صاحب اليُسرى الذهبية و»امبراطور» الكرة الافريقية طارق ذياب الذي يَتكلّم عن الأمجاد التليدة للترجي ويُعرّج في الوقت نفسه على واقع الجمعية والكرة التونسية عُموما. ماذا يَعني لك الاحتفال بالذكرى 100 لتأسيس الترجي الرياضي؟ لاشك في أن هذا الحَدث التاريخي يَبعث على الفَخر والفرح خاصّة أن الأمر لا يَتعلّق بمجرّد جمعية رياضية بل أن الترجي الرياضي التونسي يُعتبر من وجهة نَظري من المُؤسّسات الوطنية العَريقة والنَاجحة. وقد لعبت الجمعية أدوارا ريادية في الحركة الوطنية فَضلا عن وظائفها الاجتماعية والتَربوية والخدمات الكبيرة التي قدّمتها للمنتخبات التونسية عبر كلّ الحَقبات الزمنية. ولم يكن بوسع الترجي الرياضي أن يَبلغ سنّ المائة عام لولا التَضحيات الجَسيمة التي قدّمها «الآباء المُؤسّسون» على رأسهم طبعا محمّد الزواوي والهادي القلاّل. ماذا تعرف عن الزواوي وهو «صَاحب الفِكرة»؟ لقد وضع محمّد الزواوي الحجر الأول في عملية بناء الترجي الرياضي عام 1919. وقد كانت لي معه حكاية تَقشعرّ لها الأبدان وغير قابلة للنّسيان. فبعد أن التحقت بصفوف الترجي الرياضي لم أكتف بالدفاع عن أزياء الجمعية بل أنّني حرصت في الوقت نفسه على حفظ تاريخ النادي عن ظهر قلب. ومن هذا المُنطلق اجتهدت للقاء محمّد الزواوي الذي كان البعض يَحسبه ضمن «الغَابرين» بحكم أنه أكمل حياته بعيدا عن الأضواء ورَضي ب»عيشة» بَسيطة جدّا. وقد نجحت فِعلا في زيارة الرجل في مقر إقامته وكانت دهشتي كبيرة بحكم أن الزواوي كان يُقيم في منزل مُتواضع للغَاية ولا يَكاد يملك من متاع الدنيا غير حَنان شقيقته السّاهرة علي تلبية حَاجاته وشدّ أزره في مِحنته الصّحية بما أن المرحوم الزواوي كان قد أصابه هُزال كبير. اللّقاء كان مُؤثّرا خاصّة بعد أن اكتشفت بأن الزواوي وَهب عمره للترجي الرياضي بما أنه أسّس الجمعية ودافع عن أزيائها كلاعب وكمسؤول ولم يلتفت إلى حياته الشخصية. والأجمل من كلّ ذلك أن المرحوم لم يتشدّق يوما بالخدمات التي قدّمها للجمعية رغم أن ما فعله هذا الشخص الرائع كان يمكن أن يدرّ عليه مكاسب كبيرة ومَناصب رفيعة. لقد شَكّل المرحوم الزواوي مِثالا يُحتذى في التواضع وحب «المَريول» وهو حال كلّ «الكوارجية» والرؤساء الذين عرفتهم المسيرة الترجية على امتداد قرن من الزّمن. هُناك شخصية أخرى «غير عَادية» في مسيرة شيخ الأندية وهي الدكتور الشاذلي زويتن. فما هي الفكرة التي تَحملها عن الرئيس التاريخي للترجي؟ يعرف القَاصي والداني إنّ الدكتور الشاذلي زويتن من أحسن المُسيّرين الذي شهدهم الترجي الرياضي والرياضة التونسية بصفة عامّة. فقد حَقّق المرحوم زويتن الامتياز مع الترجي وتَولّى في الوقت نفسه مسؤولية أخرى مُهمّة في اللّجنة الوطنية الأولمبية والجامعة التونسية لكرة القدم ويُعتبر بشهادة الجميع من المسؤولين الأكفاء و»العَادلين» حتى أنه لا يتردّد في الوقوف ضدّ لاعبيه عندما يُلاحظ أنهم أذنبوا في حقّ جماهيرهم أوفي حق جمعيات أخرى. إن الشاذلي زويتن مسؤول مِثالي وقد يَصعب أن نعثر له على نَظير في زمننا هذا. لكن الرئيس الحالي للجامعة أباح لنفسه التأكيد على أنّه «صمد» لفترة كبيرة في منصبه تماما مثل الدكتور زويتن لدى إشرافه على جامعة الكرة (بين 1956 - 1962). فكيف تُعلّق على هذه المُقارنة؟ (ضَاحكا). إن هذه المُقارنة لا تَجوز وأعتقد أنه من الأفضل أن نُكمل الكلام عن تاريخ الترجي بدل الخوض في مِثل هذه الأحاديث الباطلة والاعتقادات الواهية. بالتوازي مع زويتن كيف تَنظر إلى حُكم بقيّة الرؤساء الذين تحمّلوا الأمانة على امتداد العُقود الأخيرة؟ إن الاحتفاء بالمائوية يجعلنا أمام حَتمية استحضار كلّ الرؤساء الذين تداولوا على تسيير الجمعية والذين بذلوا النّفس والنّفيس من أجل إعلاء راية الترجي الرياضي في الداخل والخارج. وبالإضافة إلى الدّور البَارز والتاريخي الذي قام به الشاذلي زويتن في المسيرة الترجية قدّم كافّة خُلفائه خدمات جليلة ونجحوا في تدعيم المَكاسب المُنجزة. ومن المُستحيل أن نَغفل عن الفترة المتميّزة التي عشناها مع حسان بلخوجة ولن نُهمل المجهودات الجبّارة التي قام بها الناصر الكناني وعبد الحميد عاشور والهادي الجيلاني الذي أحرزنا في عهده الثنائي للمرّة الأولى في مشوار النادي. وقد حَقّقت الجمعية مع سليم شيبوب قفزة نوعية خاصّة بعد التألق في المُسابقات القارية والظفر برابطة الأبطال عام 1994 بقيادة فوزي البنزرتي. وأعتقد أن فترة شيبوب مثّلت نقطة مِفصلية في علاقة شيخ الأندية بالمنظومة الاحترافية بما تتضمّنه من صَفقات وأموال وتنظيم إداري... ويُخطى طبعا من يَزعم بأن الترجي نجح في تكديس البطولات والكؤوس بداية من عصر شيبوب. ذلك أن تاريخ حَصاد التتويجات ظهر منذ الثلاثينيات وتعزّز في المراحل المُوالية. لو نتحدّث عن حاضر الجمعية مع حمدي المدب كيف تُقيّم الأوضاع؟ لا جِدال في أن فترة رئاسة حمدي المدب للترجي كانت زاهية إن لم نَقل إن حَقبته كانت ذَهبية. فقد أحرز الفريق كلّ الألقاب المُمكنة على المُستويات المحلية والاقليمية والقارية. كما أن النادي عانق العَالمية في مُناسبتين وهو مكسب غير مسبوق في مسيرة «المكشخين» الذين يَدخلون مائويتهم الثانية وهم على عرش الكرة التونسية والعَربية والافريقية. هذا فَضلا عن الانتعاشة المَالية الكبيرة التي شهدتها الجمعية في فترة حُكم المدب على امتداد 12 عاما. الصّورة تَبدو جَميلة لكن ألا تُوجد من وِجهة نظرك ثغرات كَثيرة وَجب تداركها لتُحافظ الجمعية على موقعها الريادي؟ مَوضوعيتي كمحلّل فني وغَيرتي أيضا على مَصلحة شيخ الأندية تَفرضان عليّ الإشادة بالتَتويجات والمَكاسب مع التَنبيه إلى النقائص التي من الضّروري مُعالجتها لترتقي الجمعية درجة أخرى في سلّم النجاح وحتى تَبقى في القمّة. وأدعو من موقعي كأحد أبناء الفريق إلى المُسارعة ببعث مركب رياضي عَصري لفائدة أكابر كرة القدم وأعرف جيدا أن هيئة المدب تبذل قُصارى جهدها لإنجاز هذا المشروع ليقينها بأن الحديقة «ب» لن تَسع الطموحات الكبيرة للترجي الحَالم بمواصلة النجاحات والذي يملك القائمون عليه امكانات هَائلة وتسمح بتحقيق الأفضل. ولابدّ من التركيز على مركز التكوين للحصول على منتوج كروي جيّد وبوسعه أن يُقدّم اضافات نوعية للفريق الأوّل بدل اللّهث وراء الانتدابات بأسعار فَلكية ودون أن تُحقّق هذه الصّفقات الأهداف المنشودة (الفرجاني ساسي وفخرالدين بن يوسف نَموذجا). إن المُستقبل الحقيقي للترجي يَكمن في التكوين على قواعد سليمة وأكاد أجزم بأن مركّب المرحوم حسّان بلخوجة يعجّ بالمواهب الكروية شرط أن تحظى بالعناية المطلوبة. كيف تنظر إلى أداء الترجي بقيادة الشعباني؟ أنجز معين الشعباني المطلوب بعد أن قاد الفريق إلى التربّع على عرش الكرة الافريقية فضلا عن المشاركة في المونديال الإماراتي. لكن المتأمل في المردودية العامة للجمعية يُلاحظ دون شك وجود جملة من الثغرات. وقد شاهدت اللّقاء الافريقي الأخير أمام «حُوريا» الغيني واقتنعت بأن الفريق أمام حتمية إجراء بعض الإصلاحات وربّما الانتدابات النوعية في سبيل المحافظة على رابطة الأبطال للموسم الثاني على التوالي. ومن الواضح أن النادي يفتقر إلى صانع ألعاب من الطّراز الرفيع وذلك مع احترامنا الشديد لسعد بقير الذي أعطى الكثير لكنّه يحتاج إلى من يساعده على تَحمّل أعباء هذه الخطّة الاستراتيجية. وقد لاحظت أن الترجي في نُسخته الحالية يملك عدّة حلول هُجومية في ظلّ تواجد البلايلي وأنيس البدري وطيّب مزياني وطه ياسين الخنيسي لكن هؤلاء يفتقدون إلى من يَصنع وينظّم اللّعب في خط الوسط. ونعود إلى موضوع المدرب لنؤكد أن الشعباني مُطالب بتطوير نفسه ليحقّق قَفزة اضافية في مسيرته التدريبية وليحقّق كذلك الأحلام الترجية خاصّة أن الرّهانات والتّحديات المُقبلة كثيرة وصَعبة. هل تظنّ أن صديقك الدائم وزميك السابق في الترجي والمنتخب خالد بن يحيى قد تعرّض إلى «الظلم» بعد الانفصال عنه في الأمتار الأخيرة من المُغامرة الافريقية؟ لا أحد يُنكر على بن يحيى مُساهمته الفاعلة في تتويج الترجي الرياضي باللّقب الافريقي الغالي فقد تحكّم الرجل في المجموعة وتمكّن من تفجير طاقاتها. كما أنه كسب التحدي في المباريات الصعبة على رأسها المواجهة المكرّرة أمام النجم الساحلي ولم يكن من السهل الانتصار على هذا المنافس الثقيل ذهابا وإيابا. ورغم أن العلاقة التي تربطني بخالد متينة فإنّني انتقدته في عدة مناسبات وذلك لإيماني الراسخ بأن مصلحة الترجي فوق كل الاعتبارات وغير خاضعة للحسابات. ألا تظن أن خالد يبقى أيضا من أحسن اللاعبين والفنيين الذي شهدهم الترجي في مائويته الأولى؟ هذا الأمر لا اختلاف. حوله فقد كان خالد من «الكَوارجية» والمدربين اللامعين في مشوار الترجي الرياضي الذي شهد فيلقا من الأسماء المُبدعة مثل نورالدين ديوة والشاذلي العويني وعبد الجبار مشوش وعبد المجيد بن مراد وعبد الرحمان بن عزالدين ومن بعدهم شكري الواعر والعيادي الحمروني والهادي بالرخيضة.... وغيرهم كثير. من هو المدرب الأفضل في تاريخ شيخ الأندية؟ من الصّعب الجزم بهويّة الفني الأحسن في مشوار النادي على امتداد قرن من الزمن لكنني لا أخفي مُطلقا إعجابي الشديد بالبولوني «أنتوني بيتشنزاك» فقد كان مُميزا من حيث العَقلية الاحترافية ونوعية العمل وفرض الانضباط وقد برهن عن هذه الخصال الكبيرة في الترجي وأيضا مع المنتخب الوطني التونسي. يُصنّفك البعض على أنك اللاعب الأمر والأفضل في مشوار الترجي فهل من تعليق على هذا الرأي؟ لقد قُمت بواجبي في الترجي والمنتخب ومن غير اللاّئق أن أنصّبَ نفسي «مَلكا» خاصّة أن تونس عرفت الكثير من «الكَوارجية» البَارزين. كيف تُتابع الوضع العام للكرة التونسية؟ من الواضح أن كُرتنا دخلت مرحلة خَطيرة وهذا ما تُؤكده فَضيحة الملاعب ولاشك في أن افتقار جمعيتين كبيرتين مثل الترجي الرياضي والنادي الافريقي إلى ميدان يحتضن مُواجهاتهما المحلية والقارية يَبعث على الأسف. وبالتوازي مع تَردي البنية التَحتية هُناك انفلاتات كبيرة في المَلاعب ومن المُلاحظ أن العلاقات بين الجمعيات مُتوتّرة. ومن المؤكد أن المسؤولية مُلقاة على الهياكل المُشرفة على رأسها جامعة كرة القدم التي أفسدت اللّعبة وعكّرت الأجواء. ولا جدال في أن الكرة التونسية تدفع الآن فاتورة التَمسّك ب»المنظومة» القائمة والتي قلنا منذ سنوات إنها لن تَنفع اللعبة. ولا أنكر للأمانة شعوري الراسخ بأن كرتنا تسير إلى الخلف ومازالت تعيش على الأطلال هذا في الوقت التي تشهد فيه البلدان الافريقية والعربية تقدّما مُذهلا على المنشآت الرياضية والجوانب الفنية والتَنظيمية. من خلال معرفتك الجيّدة بالمنتخب كيف ترى مستقبلنا مع «ألان جيراس»؟ «جيراس» لاعب كبير ومتشبّع بالكرة مثله مثل جلّ الأسماء المُتخرّجة من المدرسة الفرنسية. وأعتقد أنّنا نملك مجموعة واعدة وقد ننجح في كسب الرّهان في «الكَان» المُقبلة والتي سَتُقام في الملاعب المصرية. في سياق الكلام عن المنتخب كيف تفاعلت مع احتراف نجمنا الدولي يوسف المساكني في الدوري البلجيكي (فريق أوبن)؟ يوسف عنصر مُهمّ في التشكيلة التونسية وقد حَرصتُ شخصيا على التواصل معه أثناء تجربته في الإمارة القطرية وذلك من أجلا تحفيزه ليحقّق نجاحات أكبر. وقد يكون احترافه في أوروبا مُتأخّرا نسبيا لكن من المُهمّ أن يستثمر هذه المُغامرة ليعود إلى الواجهة بقوّة. ومن المعلوم أن يوسف كان مطلوبا في «البروميارليغ» لكن يبدو أنّ العروض المُقدّمة جاءت في التوقيت الخطأ بحكم أن لاعبنا الدولي لم يكمن في أفضل حالاته الصحية في تلك الفترة (يوسف عائد من إصابة حَرمته من مونديال روسيا وفرضت عليه الركون لراحة طويلة). نترك لك كلمة الختام فماذا تقول؟ أتقدّم بالتهاني لكافة الترجيين بمناسبة المائوية وأتمنى للفريق المزيد من النجاحات والتتويجات بدعم من جماهيره التي أكدت للمرّة الأولى أنها فعلا اللاعب رقم واحد في الجمعية وهذا ما لاحظه الجميع في «فينال» رابطة الأبطال أمام الأهلي وأيضا في مونديال الأندية على أرض الإمارات.