تونس- الشروق-: في ظلّ تراجع أداء الاحزاب، وقبل 8 أشهر من اجراء الاستحقاق الانتخابي، ماتزال الخارطة السياسية في تونس في طور اعادة التنظّم والتشكّل، دافعة بالأحزاب الى خيار تشكيل جبهات سياسية وائتلاف قادرة على الصمود. فأي نجاعة مرتقبة للجبهات السياسية المزمع تكوينها؟ لقد دفعت قراءة حصيلة الانتخابات البلديّة الماضية الى بيان ثلاثة استنتاجات رئيسية كشفتها ورقة بحثية لمركز جسور للسياسات العمومية في اوت الماضي، وتهمّ اتساع دائرة العُزوف الانتخابي، تراجع نتائج الاحزاب وتشتّت الاصوات، وبروز التيّار المستقل، وخلصت بذلك الى بُروز تفكك مكونات الخارطة السياسية التي افرزتها منظومة 2014 نحو سعي الى تشكيل خارطة جديدة قوامها الجبهات السياسية. خيار الجبهات والائتلافات ومسعى تكوين الجبهات السياسية لاح في المشهد السياسي مؤخرا بقوة، وتراهن عليه أطراف سياسية عدة، حيث صرّح مُؤخرا وزير املاك الدولة والشؤون العقارية السابق مبروك كورشيد أنّه بصدد تكوين جبهة وطنيّة مكوّنة من أطياف حداثيّة لإنقاذ تونس، كما دعا الأمين العام لحزب مشروع تونس مُحسن مرزوق إلى بناء قطب وطني عصري يمثل الامتداد التاريخي للحركة الوطنية، وأكد رئيس حزب البديل مهدي جمعة الى تجميع مكونات العائلة الوسطية المعاصرة والاصلاحية، كما يقود مؤسس الحزب الجمهوري احمد نجيب الشابي أيضا مساعي لضم وجوه سياسية جديدة لمشروعه السياسي الحركة الديمقراطية. فمالذي يدفع الى خيار تشكيل الجبهات والائتلاف وماهي جدواها المرتقبة؟ اختلال التوازن ويبدو لاعتزام أحزاب ووجوه سياسية تشكيل جبهات سياسية دافع مشترك، يكمن في محاولة تجاوز الاختلال في التوازن داخل المشهد الحزبي والسياسي، بعد أن كان قد استعاد توازنه سنة 2014، حيث تتنزل هذه المساعي في سياق تفكّك حزب نداء تونس وتحوّله إلى أحزاب صغيرة، ما أدى إلى هيمنة حركة النهضة، كما برز ذلك من خلال الاستحقاق البلدي الأخير. ومثّل فوز النهضة الاخير في الانتخابات البلدية على انقاذ تشتت «العائلة الوسطية» «صدمة» لجل الاحزاب التي ترفع لواء المشروع الحداثي بما شكل وعيا لديهم بأن وقف هذا «التغول»، والتوق الى تغيير النظام السياسي لا يمكن أن يكون الا عبر تكوين كيانات سياسية كبرى تعيد للمشهد توازنه سواء أكان ذلك عبر التحالف أو الائتلافات. العتبة تؤرق الكيانات الصغرى كما دفع اقرار اللجنة البرلمانية مؤخرا الترفيع في العتبة الانتخابية الى 5 في المائة – في انتظار المصادقة عليها في الجلسة العامة – الى خلق تهديد حقيقي للكيانات السياسية الصغرى، حيث أن الاحزاب الصغرى ستفقد الكثير من حظوظها في الفوز بمقاعد نيابية في حال اعتمادها بشكل رسمي. وعلى هذا النحو، فأن الدخول في تحالفات واسعة بين الاحزاب المتقاربة فكريا وسياسيا من شأنه أن يدفعها الى تجاوز معضلة العتبة الانتخابية. وينسحب الامر ايضا على المنظمات الوطنية التي بدأت تعد العدة نحو المشاركة في الانتخابات القادمة حيث لم تستبعد رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي خوض غمار التشريعية بقائمات مشتركة مع الاتحاد العام التونسي للشغل. فهل للجبهات السياسية جدوى مرتقبة؟ أيّ جدوى على مستوى الصمود والتماسك لم تنجح من مشاريع الجبهات سوى الجبهة الشعبية التي حافظت على ائتلافها الحزبي المتنوع وعدد نوابها في البرلمان ، ويعود ذلك الى الرابط الايديولوجي المتين الذي يحصن عقدها من الانفراط. أما باقي الجبهات التي تشكلت ، من جبهة الانقاذ، وجبهة الانقاذ والتقدم، والتحالف المدني فقد ولد بعضها ميتا فيما اعترى الفشل الذريع ماتبقى منها، وتعود نواة الفشل الى طبيعة الاحزاب المشكلة للجبهات اولا والتي لم تتمكن من هيكلة نفسها بالشكل الكافي الى جانب اشكالات سياسية تتعلق بصراع الزعامات وصعوبة توحيد الاحزاب لمواقفها داخل اطار جبهوي يتخبط دوما بين مسعى الانصهار الكلي والالتزام بهوية كل حزب داخلها. في المحصلة، لقد بينت منظومة العمل الحزبى في تونس أنّ التحالفات تحتاج لفقه النجاح والبناء وتكوين شبكات عمل قاعدية تتصل بالجماهير وتحقق مشروعات خدمية تشعر الناس بمشاركتهم مشاكلهم، وأمام تواصل فقدان المواطنين للثقة في النخب السياسية فان الجنوح الى تشكيل جبهات سياسية بديلة عن الاحزاب يعتبر غير كاف ما لم ترافقه برامج سياسية مشتركة.