الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة 7 ''بلاي أوف''    سبيطلة.. الإطاحة بمروج مخدرات في الاوساط التربوية    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    ساهمت في ارتفاع مخزون العملة الأجنبية الى 108 أيام توريد ..تواصل ارتفاع عائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج    أبرزهم كاظم وماجدة وحكيم...هل يقدر مهرجان قرطاج على «كاشيات» النجوم العرب ؟    القصرين..مهرجان «الحصان البربري» يعود بعد 19 سنة    رسائل قوية في خطاب التنصيب ... بوتين يعلن قيام النظام العالمي الجديد    ابطال اوروبا.. ريال مدريد يطيح بالبيارن ويضرب موعدا مع دورتموند في النهائي    إرساء تصرّف ذكي في المياه    توقّع تراجع انتاج الحليب في الصيف    في لقاء بوزير خارجية البحرين ... سعيّد يؤكّد وقوف تونس الثابت في صف الشعب الفلسطيني    تونس تدعو للوقوف صفا واحدا ضد حرب الإبادة والتهجير القسري التي يشنها الاحتلال    صفاقس.. إتخاذ الإجراءات الضرورية لإعفاء الكاتب العام لبلدية ساقية الزيت    توقيع اتفاقيات مشروعي إنجاز محطتين لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية    الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة ترفض اعتراض النادي الصفاقسي ضد الترجي الرياضي شكلا وتقر النتيجة الحاصلة فوق الميدان    الأستاذ محمد العزيز بن عاشور يرصد تحولات الموروث الثقافي التونسي في كتاب جديد باللغة الفرنسية    أول تعليق من عميد المحامين على "أزمة المهاجرين"    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    الرابطة ترفض إثارة النادي الصفاقسي.. و لا ويكلو ضدّ النادي الإفريقي    عاجل - إغلاق محل لبيع منتجات لحوم الخيول في بن عروس    باب بحر: القبض على متورّط في عمليات سرقة    نُصب له كمين: القبض على عون رقابة للصحة العمومية مُتلبّسا بالرشوة    وكالة التحكم في الطاقة: نحتاج استثمارات ب 600 مليون دينار لتخفيض الاستهلاك الطاقي في البلديات    جامعة السباحة : تفاجأنا بخبر غياب الحفناوي عن أولمبياد باريس    تطاوين: الشرطة البلدية تُنقذ طفلين من الموت    بين المنستير وصفاقس: الاحتفاظ بشخصين والقبض على منظمي "حرقة" ووسطاء    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    سليانة: تسجيل جملة من الاخلالات بكافة مراكز التجميع بالجهة    نجيب الدزيري لاسامة محمد " انتي قواد للقروي والزنايدي يحب العكري" وبسيس يقطع البث    انطلاق اختبارات 'البكالوريا البيضاء' بداية من اليوم الى غاية 15 ماي 2024    يُوهم الفلاحين بالبحث عن أرض لكرائها ويترصّد مواشيهم ثم يعود ليلا لسرقتها..    هام/ تسميات جديدة في وزارة التجهيز..    البطولة العربية لألعاب القوى: ريان الشارني يتوج بذهبية سباق 10 الاف متر مشي    التونسي أيمن الصفاقسي يحرز سادس أهدافه في البطولة الكويتية    وزيرة الإقتصاد في مهمة ترويجية " لمنتدى تونس للإستثمار"    عاجل : قضية ضد صحفية و نقيب الموسقيين ماهر الهمامي    أريانة :خرجة الفراشية القلعية يوم 10 ماي الجاري    قصر العبدلية ينظم الدورة الثانية لتظاهرة "معلم... وأطفال" يومي 11 و12 ماي بقصر السعادة بالمرسى    إنقاذ فلاّح جرفه وادي الحطب بفوسانة..    بطاحات جزيرة جربة تاستأنف نشاطها بعد توقف الليلة الماضية    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 8640 فلسطينيا بالضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي..    جرحى في حادث اصطدام بين سيارتين بهذه الجهة..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 8 ماي 2024    بشرى سارة للتونسيين بداية من هذا التاريخ..    تراجع عدد أضاحي العيد ب13 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية    هزة أرضية بقوة 4.7 درجات تضرب هذه المنطقة..    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    لأجل غير مسمى.. إرجاء محاكمة ترامب بقضية "الوثائق السرية"    محرز الغنوشي: رجعت الشتوية..    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تونس بالتعاون مع «دار الصباح»: مشروع قانون العتبة.. هل يكون حلاّ للأزمة السياسية القائمة؟
نشر في الصباح يوم 28 - 12 - 2018

نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات .تونس يوم الجمعة 21 ديسمبر 2018 بمقره، مائدة مستديرة تندرج ضمن مشروع الشراكة بين المركز ومؤسسة «دار الصباح» الذي تم الاتفاق عليه بين المؤسستين منذ سنتين ودخل بهذه المائدة المستديرة سنته الثالثة. ويواصل المركز وجريدة «الصباح» طرح قضايا تهم الشأن السياسي بدرجة اولى والشأن العام حسبما ما يجد في تونس من احداث وقضايا وظواهر تستحق الطرح والتشخيص والتحليل وربما طرح الحلول او البدائل. وقد اختار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات .
تونس هذه المرة تناول موضوع «مشروع قانون العتبة:هل يكون حلا للازمة السياسية القائمة ؟» ووجه دعوة للأحزاب ولمنظمات وجمعيات المجتمع المدني ولعدد مهم من النشطاء السياسيين والحقوقيين عملا من المركز على السنة التي دأب عليها وهي ترسيخ قاعدة عدم استثناء اي مكون من مكونات المشهد السياسي التونسي عند طرح القضايا الوطنية المهمة للنقاش.
ولان هذه المائدة تتناول الشأن الانتخابي في تونس فقد تمت دعوة من لهم علاقة بالموضوع مثل الدكتور عبد اللطيف هرماسي استاذ في علم الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية والدكتور رابح الخرايفي ، وهو محامي وأستاذ قانون بالجامعة التونسية والأستاذ شاكر الحوكي وهو استاذ في العلوم السياسية بالجامعة التونسية والأستاذ محمد الامام وهو استاذ في العلوم السياسية بالجامعة التونسية والدكتورمحمد شفيق صرصار الرئيس الاسبق للهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات وأستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري والدكتور سالم الابيض استاذ في علم الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية و روعة الصالحي الاستاذة في القانون العام والسيد صلاح الدين الجورشي الاعلامي والناشط الحقوقي والناصر الهرابي المدير التنفيذي لمرصد الشاهد لمراقبة الانتخابات و وسام الصغير من الحزب الجمهوري ورضا لاغة من حركة الشعب كما حضر ايضا عن حركة النهضة نور الدين العرباوي عضو المكتب التفيذي و عن حزب التيار الديموقراطي د أحمد بوعزي .علما بانه تمت دعوة نداء تونس ولكنه لم يستجب ولم يعين من يمثله.
افتتاحية الملحق
العتبة الانتخابية..
هل تكون الحل السحري؟
بقلم: د. مهدي مبروك (* )
يصدر هذا الملحق الذي نخصصه لمشروع قانون العتبة الانتخابية وبلادنا تحتفل بالذكرى الثامنة للثورة. وبعيدا عن تقييم التجربة والحصيلة النهائية للانتقال الديموقراطي في مساراته المختلفة والمتعددة (الاقتصادية والاجتماعية ...) يبدو أن هذا المسار لم يسلم من عدة إخفاقات وعيوب ومآخذ في مجاله السياسي تحديدا، فمنذ ما يزيد عن نصف سنة تقريبا وبعد أن باحت الانتخابات البلدية خلال ماي الفارط بنتائجها ،حصل شبه اجماع أكثر من أي وقت على أن الانتقال الديمقراطي يمر بأزمة سياسية مركبة فيها تتداخل الأبعاد والمجالات وكان من نتائجها هذا العزوف الانتخابي الدال على افتقاد الثقة بين النخب السياسية من جهة وأوسع فئات اجتماعية ممكنة خصوصا من الشباب وساكنة ضواحي المدن المهمشة من جهة ثانية.
وتذهب مجمل الفرضيات -بقطع النظر عن حدة المتغيرات القديمة منها والمستجدة في تفسير الأزمة الحالية استنادا الى ثلاث أطروحات أساسية : الأطروحة الأولى ترى أن سبب الأزمة الحالية يعود إلى الثقافة السياسية وإرثها المتغلغل في البُنى الذهنية للنخب السياسية القائمة على قيم الزعامة والإقصاء وتغييب المشترك السياسي والنزوع إلى التفرقة والانطواء الأيديولوجي والتمترس خلف المواقف الأكثر تصلبا وحدة؛ ما يذكي الاحتراب بين مختلف الفرقاء السياسيين وكأن البيئة الوطنية تأبى استزراع القيم الديمقراطية وجعلها سلوكا سياسيا يوميا وهو ما يعزز لدى البعض نظرية الاستعصاء الديمقراطي في البيئة العربية عموما.
في حين تركز الأطروحة الثانية على القوانين وجملة التشريعات المنظمة للمسار الانتخابي في واقع سياسي وحزبي يغلب عليه التشتت والتشرذم وترى أن «القانون الانتخابي» الصادر في 26 ماي 2014 والذي تم تعديله في 14 فيفري 2017، كان له الأثر العميق في منع قيام أحزاب قوية قادرة على توفير أغلبية حاكمة وضمان استقرار حكومي وسياسي دائم وإدارة المرحلة الانتقالية في أفضل الظروف. وهو الأمر الذي دعا البعض إلى ضرورة مراجعة القانون الانتخابي في اتجاه ترفيع «العتبة الانتخابية» إلى 5 % وتبعا لذلك إمكانية استبعاد الأحزاب الصغيرة والمتوسطة من خوض الانتخابات التشريعية. وهو ما تم إقراره فعلا من قبل «لجنة النظام الداخلي» رغم الاعتراضات القوية التي أثارتها المعارضة محذرة من هكذا خطوة قد تؤدي إلى تراجع المشاركة الانتخابية وانحسار الحياة السياسية في أحزاب بعينها من شأنها أن تورط البلاد في القطبية الثنائية وما يترتب عنه من استقطابات خطيرة في ظل واقع هش ومتوتر.
أما الاطروحة الثالثة والأخيرة فترجع الأزمة إلى دستور الجمهورية لسنة 2014 الذي اختار نظاما سياسيا مزدوجا وهجينا حيث لم يقطع مع النظام «الرئاسوي» أو «الرئاسي» ولم يتبنى بالكامل النظام البرلماني. وهو ما جعل السلطة التنفيذية موزعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تاركا المجال مفتوحا للتنازع بينهما حول اختصاصات وصلاحيات كل واحد منهما.
وهو الأمر الذي اتضحت خطورته في الأزمة السياسية الأخيرة بين رأسي السلطة التنفيذية، لاسيما وان المحكمة الدستورية لم يقع إرسائها بعد. وهو الوضع الذي أذكى الدعوات القديمة المتجددة إلى تعديل الدستور في اتجاه إقرار «النظام الرئاسي» صراحة في سبيل توحيد السلطة التنفيذية وإرساء نظام قوي ينتصر لمكانة رئيس الجمهورية بوصفه منتخبا مباشرة من الشعب.
وهي دعوة يبدو أنها لم تلقى تجاوبا من شرائح سياسية وقانونية عريضة بوصفها مجرد حنين إلى النظام السابق ومحاولة للانحراف بالنظام السياسي إلى نظام تسلطي واستبدادي.
آثرنا في هذه الندوة لاشتغال على الفرضية الثانية دون الغاء بقية الفرضيات الأخرى لما لها من ترابط وتضافر وثيق كنا قد أشرنا اليه آنفا خصوصا وأن الحكومة قد آثرت ان تصوغ مبادرة تشريعية من أجل تعديل القانون الانتخابي على ضوء بروفة العتبة الانتخابية التي تم تجريبها في الانتخابات البلدية الفارطة والتي كانت في حدود 3%. قد يختلف الفرقاء حول مغزى توقيت المبادرة وآثارها المرتقبة على الخارطة الحزبية والمشاركة السياسية حصرا وهي التي تشكو بدورها من انجراف للقواعد الانتخابية للأحزاب الكبيرة والصغيرة معا ولكن ثمة شبه اجماع على ضرورة عقلنة المشهد السياسي واعتماد معايير من شأنها أن تضع حدا لاستسهال العملية الانتخابية والسياحة الحزبية والتحالفات المغشوشة والركون الى الكسل السياسي.
قد يرى البعض أن العتبة بقطع النظر عن نسبتها (5 % أو 3 % ...) ان تم إقرارها لن تكون الحل السحري لذلك فسحنا المجال في هذه المائدة المستديرة لمختلف المواقف حتى نساهم في اثراء النقاش العمومي حول هذا المشروع لأهمية البالغة.
*رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات . تونس
العتبة بين الضرورة والعقوبة
بقلم: صلاح الدين الجورشي (* )
كان من نتائج هيمنة الحزب الحاكم لمدة لا تقل عن خمسين عاما أنه نجح في الحيلولة دون قيام أحزاب حقيقية قادرة على المنافسة والتداول على الحكم. إذ لم تكن هناك بيئة سياسية وتشريعية مساعدة على نشأة الأحزاب وتطورها. لهذا ما أن سقط نظام بن علي ووقع حل التجمع الدستوري الديمقراطي حتى بدت الساحة السياسية شبه شاغرة إلا من « حركة النهضة «التي تمكنت بسرعة من ترميم صفوفها واستعادة أنصارها. وقد أثار ذلك مخاوف وقلق بقية العائلات السياسية التي كانت في حاجة إلى الوقت حتى تبني نفسها لتصبح قادرة على تحقيق التوازن مع الإسلاميين.
في هذه الأجواء الجديدة التي فاجأت الجميع، قام الخبراء الذين كلفوا بإعداد مشروع القانون الانتخابي. وكان في مقدمة أهداف المشروع وضع عدد من الحواجز التي من شأنها أن تحول دون أن يهيمن حزب كبير مثل حركة النهضة على المجلس الوطني التأسيسي، فيحتكر بذلك صياغة الدستور الجديد، وقد ينفرد بمؤسسات الدولة وتوظيفها لصالح تحقيق أهدفها السياسية والأيديولوجية.
من بين الآليات التي وضعت في هذا السياق عدم وضع عتبة انتخابية ، واشتراط المناصفة في قائمات المرشحين إلى جانب ضوابط أخرى تمنع الانتكاسة إلى الخلف وتعطي فرصا لجميع القوى الجديدة. وبفضل هذه الآليات تحقق الهدف الرئيسي وبنسبة عالية، إذ رغم حصول حركة النهضة على أعلى نسبة مقاعد في المجلس، إلا أن ذلك فرض عليها التعايش مع بقية مكونات المجلس الذي كان تعدديا بامتياز.
ممارسة الحكم سواء في مرحلة الترويكا أو في مرحلة التحالف بين النهضة وحزب نداء تونس، دخلت البلاد في أزمة سياسية عميقة ومتعددة الأبعاد. هاجمت معظم الأطراف الصيغة التوافقية، واعتبروها المسؤولية عن المأزق العام الذي شل النظام السياسي وأصبح يهدد الانتقال الديمقراطي بالفشل والتوقف. واعتبروا أن الحلف المؤقت الذي تم بين رئيس الدولة ورئيس حركة النهضة قد همش المعارضة وألغى التنافس بين الأحزاب، وجمد ميزان القوى داخل البرلمان، ومكن حركة النهضة من السيطرة على أجهزة الدولة.
بناء عليه تم الدفع بالنقاش داخل مجلس النواب وخارجه نحو مراجعة القانون الانتخابي، اعتقادا ممن وقفوا وراء ذلك بأن هذه التعديلات يمكن أن تخرج الوضع العام من المأزق الراهن. فهل يمكن لهذا لقرار وضع عتبة بخمسة بالمائة أن يمثل حلاّ للأزمة السياسية القائمة حاليا في البلاد؟.
اعترضت معظم الأحزاب الصغيرة إلى جانب عديد منظمات المجتمع المدني على العتبة الانتخابية التي تم إقرارها. ورغم أن هذه الأحزاب كانت الأكثر نقدا لما تعتبره هيمنة النهضة على المجال السياسي، إلا أنها كافحت بقوة ضد التعديل الذي حصل، واعتبرت أن العتبة الجديد فرصة أخرى لتأبيد هيمنة الأحزاب الكبيرة على الدولة وفي مقدمتها النهضة ونداء تونس.
كما وجدت أحزب أخرى نفسها في وضع محرج، مثلما هو الشأن بالنسبة للجبهة الشعبية التي انتقدت العتبة الحالية، لكنها في الآن نفسه تخشى أن يذهب الرأي العام نحو الاعتقاد بكونها عاجزة عن الوصول إلى هذه العتبة في دوائر عديدة، وأن ذلك من شأنه أن يؤثر على حجم وجودها داخل البرلمان خلال الانتخابات النيابية القادمة. وما حصل لمرشحيها خلال الانتخابات البلدية مؤشر قوي على ذلك. وفي حال حصول ذلك فإن تراجع تمثيلية اليسار في المستقبل ستكون له تداعيات سيئة وسلبية على المشهد الديمقراطي والتعددي في البلاد.
هناك أكثر من ضرورة سياسية لتبرير وضع عتبة انتخابية. فالحزب السياسي ليس مجرد دكان يمثل عددا قليلا من المواطنين. إنه قوة اقتراح تمثل جزء من الشعب، وعليه أن يهيئ نفسه قبل أن يدخل البرلمان ليكون جديدا بممارسة السلطة التشريعية وأن يتمتع بقاعدة شعبية واسعة في حال ترشحه إلى مواقع قيادية في السلطة التنفيذية. فمرحلة التأسيس قد انتهت ودخلت البلاد في مرحلة التداول الفعلي والديمقراطية على السلطة.
هذا السياق يكون التدرج هو الاختيار الأفضل والأسلم. فوضع عتبة لا تتجاوز ثلاثة بالمائة هي الأجدى في هذه المرحلة الانتقالية. لأنها تضفي أهمية خاصة على قرار الالتحاق بالسلطة التشريعية التي يجب أن يتمتع أي مرشح لها بحد أدنى من التمثيل الشعبي. كما أن هذا القرار من شأنه أن يقلل من احتمال وصول بعض الأشخاص الذين ليست لهم المؤهلات الدنيا التي تجعلهم قادرين على تقديم الإضافة والمساهمة في رفع مستوى النقاش وتعزيز قدرة الاقتراح لدى السلطة التشريعية.
يخطأ من يعتقد بأن الأزمة الراهنة يمكن معالجتها عبر إدخال تعديلات تقنية على القانون الانتخابي. إنها في العمق أزمة سياسية، ويجب أن تكون معالجتها ذات طابع سياسي دون التقليل من أهمية القانون الانتخابي الذي يعتبر إحدى أدوات التحكم في الخارطة الحزبية في أي دولة مهما كانت.
تعكس الأزمة في إحدى أبعادها ضعف الأحزاب التي تشكل معظمها في سنوات قليلة، ولم تكتسب بعد الشروط الضرورية لحماية وجودها واكتساب المصداقية الأدنى، ولم تتمكن حتى الآن من الانتشار وتركيز قواعد انتخابية صلبة ودائمة.
كما أن هذه الأحزاب في عمومها لا تزال تحاول اكتساب الحد الأدنى من ثقافة الدولة، وهو ما يفسر ضعف أدائها السياسي عندما تمكن بعضها من أن يجد نفسه في سلطة القرار. ويعود ذلك إلى محدودية كوادرها البشرية، إلى جانب عدم امتلاكها للبدائل الضرورية القادرة على مواجهة المشكلات العويصة التي تعاني منها البلاد في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها. وبناء عليه، لن يساعد الرفع من العتبة إلى حدود خمسة بالمائة من النهوض بالحياة الحزبية أو تحقيق التوازن الذي يعتبر من شروط، بقدر ما سيمكن الأحزاب التي توصف بالكبرى من احتكار المشهد والحيلولة دون تطويره وتوسيعه، مما سيحول دون تغييره مستقبلا. وإذا ما حصل ذلك فإنه سينعكس سلبا على هذه الديمقراطية الناشئة، وسيحول العتبة من ضرورة إلى عقوبة.
* إعلامي وناشط حقوقي
مشروعية ادخال العتبة وتأثيراتها على المشهد السياسي التونسي
◄تبني قانون العتبة.. سيؤدي حتما إلى تخفيض عدد الأحزاب في البرلمان
❞ تقر 16 دولة عتبة 5% و تذهب 5 دول إلى إقرار عتبات أعلى من بينها تركيا 10 % وروسبا 7% والليشنتشتاين 8%❝
❞ ضرورة التمييز بين العتبة على المستوى الوطني والعتبة على مستوى الدوائر ❝
تختلف الأراء اليوم حول توصيف الأزمة السياسية في تونس، وحول تحديد أسبابها. ومن ثم تباينت مقترحات الخروج منها، إذ يحاول البعض حصر مسببات الأزمة في الخيارات الدستورية والتشريعية ، بالقول أن طبيعة النظام السياسي الذي أرساه دستور 2014 غير مناسب لتونس، أو أن النظام الإنتخابي الذي جاء به القانون الانتخابي منذ سنة 2011 غير موفق، ولا يتماشى مع الواقع السياسي لدولة تمر بمسار انتقال ديمقراطي.
واعتبارا إلى أنه لا يمكن اليوم في غياب محكمة دستورية تعديل الدستور، واعتبارا إلى أن الأجل الذي حدده القانون الانتخابي لإمكانية تعديل تقسيم الدوائر الانتخابية، فإن خيارات الإصلاح ضاقت، إلى الحدّ الذي تم فيه الإقتصار على تقديم مشروع قانون أساسي متعلق بإدخال عتبة تتمثل في نسبة دنيا تتمثل في 5 % على مستوى الدوائر الانتخابية، للحد من التشتت الذي طغى على المشهد السياسي.
ولئن اعتبر البعض أن هذا حدّ أدنى للعمل على تغيير المشهد السياسي، فإن البعض الآخر اعتبر أن هذا مناورة من أحزاب الأغلبية لإزاحة الأحزاب الصغيرة والقائمات المستقلة,
ولمعرفة إن كان مشروع قانون العتبة يمكن أن يشكل حلا للأزمة السياسية القائمة، لا بد من التذكير بثلاث ملاحظات قبل تحليل مسألة مشروعية إدخال العتبة (1) والتأثيرات الممكنة لهذه العتبة عل المشهد السياسي (2).
الملاحظة الأولى : هي أن من الخطأ عزل آثار طريقة الإقتراع عن بقية المؤثرات السياسية الأخرى فقد يقود هذا إلى خطأ كامل في التحليل، فمثلا لم يتم تغيير طريقة الإقتراع في أنقلترا منذ قرون لكن تغيرت أثارها بشكل ملحوظ في انتخابات 2010 حيث لم يتمكن أي من الجزبين الكبيرين من الفوز بالأغلبية المطلقة. ولم تغير ألمانيا طريقة اقتراعها بالنسبة للإنتخابات التشريعية منذ سنة 1949، بالرغم من هذا أسفرت نتيجة الانتخابات الأخيرة عن تغير كبير في مستوى المشهد السياسي بحصول أقصى اليمين على 13% من المقاعد، أما بالنسبة لإيطاليا فرغم تغيير طريقة الإقتراع سنة 2017، كانت نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2018 «كارثية بالنسبة للمشهد الحزبي».
الملاحظة الثانية: هي أنه يجب الحذر من بعض عمليات المحاكاة التي تنطلق من نتائج انتخابات سابقة (مثلا 2014 أو 2018) لتطبيق العتبة عليها، لأن هذا قد يكون قائما على خطأ منهحي فادح يتمثل في نسيان العامل السيكولوجي في الترشح و التصويت تأثرا بوجود العتبة.
الملاحظة الثالثة : هي ضرورة التمييز بين العتبة على المستوى الوطني والعتبة على مستوى الدوائر، فمثلا عندما نتحدث عن عتبة 5 % على المستوى الوطني في الانتخابات التشريعية في تونس سنة 2014، تقابل 5/ قرابة 175 ألف صوت، في حين أنه على مستوى الدوائر تتراوح بين 10 ألاف صوتا وألف صوتا. ومن ثم يكون ادخال العتبة على مستوى الدوائر محدود الأثر.
مشروعية إدخال العتبة:
تقوم عديد الدول التي تبنى التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا بوضع عتبة، أي نسبة دنيا من الأصوات التي لا بد للقائمة المترشحة من الحصول عليها حتى تتمكن من الفوز بمقاعد. وتمثل العتبة طريقة للحد من تشتت الأصوات وتشظي التمثيل في البرلمان أو غيره. وقد أحصينا 35 دولة تعتمد العتبة،
وتتراوح العتبة بين 1.8 % وبين 10 % من الأصوات المصرح بها، علما أن بعض الدول تعتمد هذه النسب على المستوى الوطني (وهذا يجعل عدد الأصوات المطلوب أكبر بكثير من العدد المستوجب في صورة اعتماد العتبة على مستوى الدوائر)، وتميز بعض الدول بين العتبة المستوجبة بالنسبة للأحزاب والعتبة المستوجبة بالنسبة للإئتلافات، فمثلا، يشترط القانون القبرصي نسبة 1.8 بالنسبة للأحزاب ، و10 % للإتلافات.
تقر 16 دولة عتبة 5% ، من بينها ألمانيا وبلجيكيا والكامرون، في حين تذهب 5 دول إلى إقرار عتبات أعلى من 5 % منها تركيا 10 % وروسبا 7% ، والليشنتشتاين 8%.
تأثيرات إدخال العتبة على المشهد السياسي التونسي:
لا تكون عمليات المحاكاة على أساس انتخابات 2011 أو 2014 قطعية الصحة، ويكون من الأسلم منهجيا الحديث عن تأثيرات محتملة أو مرجحة:
من ذلك أنه بإدخال العتبة، سيدي حتما إلى تخفيض عدد الأحزاب الذي ستمثل في البرلمان، فلن يكون العدد 28 لونا سياسيا كما كان سنة 2011، أو 17 سنة 2014، إذ سيكون أقل من عشرة . والسؤال هو هل سيكون بهذا المشهد السياسي أكثر استقرارا.
سيتغير سلوك المترشحين وسلوك الناخبين، إذ أن المترشحين سيفكرون أكثر في التحالفات والإئتلافات، في حين أن الناخب سيلتجئ إلى التصويت المجدي.
أخيرا، بإلغاء الأصوات التي تحصلت عليها القائمات التي لم تنجح في تجاوزها، سينخفض حتما الحاصل الإنتخابي، وهذا اٍلإنخفاض سيؤدي على الأرجح إلى توزيع المقاعد على أساس الحاصل الإنتخابي، مما قد يعني احتمال فوز الأحزاب الأكبر بمقعد إضافي ، ويمكن في هذا الإستئناس بما وقع في انتخابات 2011 في دائرة مدنين عندما تم الغاء احتساب الأوراق البيضاء ، حصلت حركة النهضة على مقعد إضافي واحد.
* أستاذ قانون عام بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس
والرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة للإنتخابات
ورئيس جمعية البحوث حول الإنتقال الديمقراطي
النهضة: «فكرة العتبة ليست إقصائية إلا إذا كانت عالية جدا
أدار الاستاذ عادل العياري النقاش في ندوة مشروع قانون العتبة وانطلق من جملة من التساؤلات مثل: لماذا نطرح هذا القانون بالذات في هذه الفترة الحرجة من مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس؟ ما اهمية الاسباب التي دعت لتقديمه وما هي تداعياته على الاحزاب الصغيرة والكبيرة ورهاناته؟ وما هو مدى تأثيره على المشهد السياسي العام في تونس؟ وما هو تأثيره المباشر على السلوك الانتخابي؟ وهل سيؤدي تبنيه الى بناء استراتيجيات اخرى؟ وكيف يمكن ان تستفيد بعض الاحزاب من قانون العتبة وكيف سيطبع هذا القانون الثقافة السياسية للنخب؟
وأكد نور الدين العرباوي وهو سياسي وأخصائي نفساني واحد ابرز قيادات النهضة ان حزب حركة النهضة ناقش موضوع العتبة في علاقة بالوضع السياسي في تونس والسنة الانتخابية وقال :»كل الاشكالات التي طرحت كانت تتعلق بتغيير قواعد اللعبة اثناء اللعب علما بان مشروع هذا القانون خرج من الحكومة يوم 10 اوت 2018 وكان قد طرح في وثيقة قرطاج من قبل رئاسة الجمهورية وقد تم التفكير فيه من زاويتي نظر
1) عقلنة الحضور السياسي والمشهد البرلماني
2) الحق في التمثيل الانتخابي والمسار الانتقالي بقطع النظر عن الحجم حيث اننا في مسار انتقالي مازال يحتاج الى الجميع مهما قل الحجم .» وأضاف نور الدين العرباوي:» نحن ازاء فكرتين متقابلتين يمكن ان نصل من خلالهما الى فكرة وسطى، الحكومة تقترح عتبة 5 بالمائة وإذا اعتمدت هذه النسبة فان المشهد البرلماني سيتأثر ولن يبقى إلا القليل من الاحزاب في البرلمان وهنالك من يقترح عتبة 3 بالمائة وهذه النسبة ستدفع حتما الى عقد التحالفات والائتلافات ونحن لسنا امام غياب حتمي للقوى الصغيرة بتغيير العتبة والتصويت المفيد يستفيد منه البعض فقط، هنالك الاحزاب التي تعترض على العتبة.. ونحن نرى ان فكرة العتبة ليست اقصائية إلا إذا كانت عالية جدا ولكن «عتبة» في المطلق تراعي الاوضاع الوطنية ليست سيئة نحن في سنة انتخابية والتصميم على ان لا تمر هذه المبادرة فيه اشكال. وشدد العرباوي قائلا: « نحن امام فكرتين كل فكرة لها مستنداتها الطبيعية والمعقولة ونحن في اوضاع قراءات وتقييمات لها مبرراتها المعقولة و»العتبة» امر ايجابي ونحن اليوم نحتاج الى تطوير اوضاعنا بالتشريع كما بالسلوك».
مضمون مشروع قانون العتبة الانتخابية وتأثيره في الحياة السياسية ومدى دستوريته
إما التمثيل المحترم والفاعل في البرلمان او القطع مع التطفل على العمل السياسي
بقلم: د. رابح الخرايفي (*)
عاد لفظ «العتبة» الانتخابية بمضامينها السّياسية والقانونية من جديد للحياة السّياسية في تونس وعاد معه نقاش مساوئ إقرارها ومساوئ تركها، بعدما خَفَتَ الحوار حولها لمّا تخلى المجلس الوطني التأسيسي عن اقرارها القانوني سنة 2014، وهو ما يُمكن أن يُعتبر مع عودة هذا النقاش والمبادرة التشريعية رغبة في التجديد السّياسي والإصلاح الانتخابي.
الجهة المبادرة
لقد خيّرت رئاسة الجمهورية والحكومة بعد تقييم لسير النّظام الانتخابي واستقرار الرأي على إصلاحه الرّجوع إلى إقرار «العتبة الانتخابية» على مستوى كل دائرة انتخابية وليس على المستوى الوطني، وقدمت تعليل تصوّرها للنظام الانتخابي الجديد في مذكرة شرح أسباب مشروع القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2018 المؤرخ في 18 سبتمبر 2018 والمتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء.
«العتبة الانتخابية» في مشروع القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2018 المؤرخ في 18 سبتمبر 2018 والمتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 ، اقترحته رئاسة الجمهورية وعرضته على الحكومة التي بدورها أحالته على مجلس نواب الشّعب كسلطة تنفيذية، ولم يكن مقترح من مجموعة نيابية وهو ما يدل على قبول النواب بالنظام الانتخابي الحالي القائم على تمكين الاحزاب والمستقلين من الوصول الى مجلس نواب الشعب بأكبر البقايا في دوائرهم وهو النظام المعتمد منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 .
مضمون العتبة الانتخابية
تعني «العتبة الانتخابية» كما جاء بمشروع القانون المذكور انه « لا تدخل في توزيع المقاعد القائمات المترشحة التي تحصلت على أقل من 5% من الأصوات المصرح بها على مستوى الدائرة».
بناء على ذلك، يتم توزيع المقاعد النّيابية المتنافس حولها في الدّائرة الانتخابية أولا بواسطة القاسم الانتخابي، ثم ثانيا بواسطة أكبر البقايا بتطبيق شرط العتبة على مستوى الدائرة الانتخابية وليس على المستوى الوطني.
يتنزل مشروع الحكومة في توزيع المقاعد النيابية المتنافس حولها في الدائرة الانتخابية باعتماد قاعدة أكبر البقايا مع تطبيق شرط عتبة 5%، إذ يوازن هذا المشروع في تقديرها بين تمثيل منصف للآراء السّياسية المختلفة في المجتمع وبين ضمان فعّالية كل من أداء الحكومة وأداء مجلس نواب الشعب.
لماذا العتبة الانتخابية وتأثيرها على الأحزاب السياسية ومجلس نواب الشعب؟:
إنّ الأغراض السّياسية من إقرار هذا الشرط هي تجنب تشتت القوى السّياسية والبرلمانية وانقساماتها، والتخلص من التمثيل النيابي الصّوري للأحزاب السّياسية، وضمان استقرار الحكومة، والتقليص من تشتيت أصوات النّاخبين، لأن بقاء القانون الانتخابي الحالي كما هو دون تنقيح وإقرار العتبة هو تمكين أكبر عدد من الأحزاب الصغرى ذات التمثيل الشعبي الضعيف ،وتمكين أكبر عدد من المستقلين من الوصول إلى مجلس نواب الشعب ، وهو ما يفضي إلى صعوبة في تسيير المجلس وبناء التحالفات الحكومية ،وإن توفرت هذه التحالفات فستفرز أغلبية حكومية غير منسجمة وغير مستقرة.
هذا الشّرط رغم إنه ليس موضوع توافق سياسي وقبول من الأحزاب الصّغرى والمستقلين، فيمكن أن يكون حافزا ودافعا للمستقلين كي ينضموا لهذه الأحزاب الصّغرى وتتوحد في إطار جبهة أو في اطار حزب كبير قد يفوز بعدد مهم من المقاعد يكوّن كتلة ذات وزن بمجلس نواب الشعب.
إنّ الفوز في الانتخابات التشريعية بقواعد ميسرة ودون ضوابط ومنها شرط العتبة الانتخابية يفتح باب فوضى التّرشح غير الجدي وترشح غير الأكفاء. ولترشيد التّرشح وعقلنته يساهم اقتراح العتبة الانتخابية في الحد من وصول غير الاكفاء والمستقلين للمجلس باعتبار أنه لا رابط سياسي بينهم فيمكن يكونوا عامل من عوامل تعطيل سير المجلس وعمله ،وعامل لعدم استقراره، كما يساهم هذا الشرط في الحدّ من وصول مرشحي الأحزاب الصغرى ذات التمثيل الشعبي الضعيف للمجلس وهو ما قد يدفع هذه الأحزاب الصغرى والمتقاربة في الأفكار إلى التّكتل وتكوين أحزاب سياسية كبرى تقدر ان تجد لها تمثيل محترم وفاعل في مجلس نواب الشعب أو يندثر منها نهائيا المتطفل على العمل السّياسي أو تبقى أغلبها غير ممثلة في المجلس.
العتبة الانتخابية ليست بدعة أو ابتكار تونسي يهدف إلى فرز سياسي وحزبي قسري وإنمّا شرط موجود في أغلب الأنظمة القانونية الانتخابية المقارنة وما تختلف فيه هذه الأنظمة هي النسبة المعتمدة، وفي مدى قبولها أو رفضها من النّخبة السّياسية الفاعلة لتأثير هذا الشرط في نتائج الانتخابات التشريعية.
الجدل حولها نابع من أن كل حزب سياسي يدافع عن النّسبة المئوية الدّنيا التّي تناسب حجمه الشعبي وتخدم أهدافه الانتخابية، وليس نابع من الرّغبة في وضع قواعد سياسية تضمن الاستقرار وفاعلية أداء الأحزاب والحكومة ومجلس نواب الشعب.
مسألة دستورية مشروع قانون العتبة الانتخابية
من الناحية الدستورية هناك ما يبدو في الظاهر انه هناك مشكل جدي وهو ما مدى دستورية مشروع قانون العتبة، أي هل إقرار المشرّع لشرط العتبة تشريع دستوري أم تشريع مخالف للدستور؟، هذا ما سنعلمه عندما يتم الطعن في مشروع القانون أمام الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع القوانين، إن مر المشروع ووجد من يطعن فيه وقبلت هيئة مراقبة دستورية مشروع القانون؟، خاصة إذا علمنا من ظاهر الامور أن هذا المشروع قد يمسّ من مبدئي تكافئ الفرص بين الاحزاب والمساواة في الوصول إلى مجلس نواب الشعب وهي دفوعات رافضي شرط العتبة.
لا يعد اقرار شرط العتبة شرطا مخالف للدستور وروحه باعتبار ان الشرط يكتسي الصبغة التنظيمية التي لا تمس من جوهر حق الترشح والتصويت ولا تمس من النظام الانتخابي وقواعده.
كما انه إذا استعنا بما استقر في الانظمة القانونية الانتخابية المقارنة فإننا سنجد عدد كبير من الدول تعتمد شرط العتبة، كشرط يمثل حد أدنى ضروري لنجاح نائب والغرض هو ضمان أغلبية نيابية مستقرة وتشكيل حكومة مستقرة.
لكن هذا الاقرار بدستورية شرط العتبة لم يمنع الجدل حول عدم دستوريته في فقه القضاء المقارن خاصة منه الالماني والبلجيكي وصدور احكام متناقضة في الغرض تارة تقر الدستوريته وتارة اخرى تقر عدم دستوريته.
Dogba Blaise Ogou. Les évolutions de la règle électorale dans les systèmes politiques transitionnels : les élections législatives en Europe du Sud-Est (1989-2009). Thèse en Science politique. Université de Bordeaux, 2016. Français. P,222.
François Onclin
,L'instauration et les effets du seuil électoral de 5 % Courrier hebdomadaire du CRISP 2009/36-37 (n° 2041-2042), 5 – 72. Cour d'arbitrage, arrêt n° 30/2003, B.22.8, 26 février 2003, ; Cour d'arbitrage, arrêt n° 73/2003, B.19.8, 26 mai 2003. Cf. la partie 3 de ce Courrier hebdomadaire pour une analyse plus poussée des arguments juridiques de la Cour
Frédéric BOUHON, Le seuil électoral au seuil de l'égalité Note sous l'arrêt n° 149/2007 du 5 décembre 2007 de la Cour constitutionnelle,
https://orbi.uliege.be/bitstream/2268/978/1/Le%20seuil%20%C3%A9lectoral%...
قانون أساسي عدد 14 لسنة 2014 مؤرخ في 18 أفريل 2014 يتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين. الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، عدد 32 الصادر بتاريخ 22 افريل 2014.
امثلة من الدول التي تعتمد شرط العتبة : بلغاريا 4 %،بلجيكيا5 %، النمسا4%،ارمينيا5 %
Camille Moisan, l'égalité du suffrage en droit Allemand, Master en droit public, université Panthéon,-Assas Paris,II, 2015 , p , 50.
*محام وأستاذ قانون عام بالجامعة التونسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.