تونس نيويورك الشروق من مبعوثنا الخاص نجم الدين العكاري: كانت أشبه بخلية النحل، مئات من السماسرة وأعوان البورصة في غدوّ ورواح، يحدثون جلبة وضوضاء، يلوحون باشارات تبدو للكثيرين بلا معنى بل ومبهمة تماما، لكنها ذات دلالات معلومة وتعتبر لغة تخاطب عن بعد بين اصحاب القرار والسماسرة لتنفيذ اوامر البيع او الشراء مقابل الاسعار المعلن عنها. السرعة والحركية للاتصال بأصحاب الاسهم تفرضها سرعة تحوّل أسعار الاسهم بين اللحظة والاخرى، ولهذا ترى الوسطاء والسماسرة يحملون معهم أحدث وسائل الاتصال ذات التكنولوجيا المتقدّمة. هذه الحركية والجلبة تتم في بورصة نيويورك محرار الاقتصاد الامريكي وربما الاقتصاد العالمي، وهي ثاني اقدم مؤسسة امريكية بعد بنك نيويورك اذ انطلقت في العمل قبل 212 سنة أي سنة 1792 . بورصة نيويورك عملاق اقتصادي يتم فيها يوميا تداول 1.5 مليار سهم بقيمة 50 مليار دولار اي ما يعادل ميزانيات عدة دول. وتبلغ قيمة رأس مال البورصة 18 تريليون دولار اي 18 مليون مليار دولار اي ستة اضعاف ما تتداوله سنويا بورصة لندن او بورصة طوكيو التي تتراوح قيمة الاموال المتداولة بها 2.8 تريليون دولار. 2800 شركة في بورصة نيويورك 2800 شركة عالمية مدرجة منها 465 شركة غير امريكية قيمتها 5 تريليون دولار تقريبا منها 180 اوروبية و80 آسيوية والباقي من أمريكا اللاتينية وبقية بلدان العالم. ودون الشركات الامريكية فإن الشركات الاجنبية قادمة من 47 بلدا ولا توجد بها شركات عربية او شرق اوسطية. وقال السيد آلان مورفون نائب رئيس البورصة المسؤول عن العلاقات الدولية مع البورصات الاخرى والحكومات ان الشركات التي تريد ان تدرج في بورصة نيويورك مطالبة بالاستجابة لعدة معايير دولية ويستحسن ان تبيع منتوجاتها داخل الولاياتالمتحدة لأن المستثمر الامريكي يريد ان يضع أمواله في الشركات التي يعرفها ويتعوّد على منتوجها. ولا يعني ذلك ان الشركة لا تدرج أسهمها في بورصة بلادها بل ان ذلك يبدو مطلوبا وبنسبة تتزايد تدريجيا. علاقات خاصة وأكّد السيد آلان مورفون ان بورصة نيويورك لها علاقات خاصة مع بورصات القاهرة والاسكندرية وتونس والمغرب وعمان والكوين والأردن وانها قدمت دعما فكريا ومساعدة لبورصة بغداد. وقال مسؤولو البورصة ان اغلب الشركات العربية غير قابلة للادراج والمضاربة في بورصة نيويورك وانه من الافضل لها ان تدخل البورصات الاوروبية والاسيوية مثل تايلاندا وهونغ كونغ... قبل التفكير في القدوم الى نيويورك. أحداث سبتمبر بورصة نيويورك تقع في «وال ستريت» الحي المالي والبنكي في نيويورك وغير بعيد عن مركز التجارة العالمي الذي دّمر يوم 11 سبتمبر 2001 بل ان عددا من موظفيها كانوا ضحية هذا الاعتداء اذ ان 135 عونا من اعوانها كانوا يعملون في احد البرجين (الذي سقط ثانيا) وأن مدير العمليات بالبورصة امر باخراج كل الموظفين بعد ضرب البرج الاول وعند خروج اخر موظف تم ضرب البرج الثاني. كثير من اعوان البورصة، تقول السيدة مارغريت تيتويلر رئيسة مجموعة الاتصال والعلاقة مع الحكومة في البورصة، فقدوا عددا من افراد عائلاتهم واصدقائهم، وهم حتى اليوم لا يستطيعون رواية ما حدث. ولأن البورصة كانت على مرمى حجر من مقر مركز التجارة العالمي فإن غبار وحجارة البرجين تناثرت عليها وجعلت الاعوان يرتدون الاقنعة لمدة طويلة لاتقاء الروائح الكريهة والغبار. وانفقت البورصة قرابة 10 ملايين دولار لتأمين سلامة مبانيها وتمكنت من اعادة فتح أبوابها في يوم الاثنين الموالي للحادث. وقضت البورصة 6 أشهر كاملة لتنظيف المبنى من الغبار والاتربة والروائح الكريهة ولاصلاح خطوط الماء والكهرباء والهاتف التي تأثرت بالحادث. ثقافة البورصة ما لايعرفه الكثيرون ان المواطن الامريكي يؤمن كثيرا بالبورصة ويدخر أمواله بها بل انه يرهن بها مستقبله اذ «يغامر» بأموال تقاعده ويستثمرها لشراء الاسهم. وتؤكد الاحصائيات ان نصف العائلات الامريكية تملك اسهما في البورصة وقرابة 40 من الشبان المتراوحة اعمارهم بين 19 و39 سنة يضاربون فيها. وفي بورصة نيويورك وحدها هناك 85 مليون مستثمر لهم حصص واسهم في الشركات المدرجة هناك. هذا الانخراط الكبير في البورصة يعود الى «ثقة المواطن الامريكي في اقتصاد بلاده والى توفر الشفافية الكاملة حول المؤسسات والى ضعف القطاع البنكي في تقديم القروض والتمويلات المطلوبة».