في الفترة الأخيرة تحولت الجهات إلى قبلة عديد السياسيين لعقد اجتماعات ومؤتمرات جهوية وللقيام بزيارات ميدانية... وهو أمر مفهوم بالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات. تونس الشروق مع اقتراب موعد الانتخابات القادمة المنتظر إجراؤها موفى العام، أصبحت الجهات «وجهة مُفضلة» للسياسيين وللأحزاب من أجل القيام بأنشطة مختلفة تدخل في إطار الترويج السياسي والحزبي. يحصل ذلك رغم أنه على مدار العام تعاني أغلب الجهات الداخلية وأيضا الساحلية من حالة ركود سياسي بلغ في بعض الأحيان حد غياب مقرات بعض الأحزاب الكبرى. و في أحسن الاحوال يكون المقر موجودا لكن أبوابه مغلقة أغلب الوقت. كما أن بعض السياسيين أصبحوا يتنكرون للجهات التي ينحدرون منها أو التي ترشحوا فيها في الانتخابات السابقة. وهو ما يهم أحيانا بعض نواب البرلمان الحاليين. موسمي منذ 2011 شهدت البلاد 3 محطات انتخابية، انتخابات المجلس التأسيسي والثانية في 2011 وتشريعية ورئاسية 2014 وبلديات 2018. وشهدت خلالها الجهات حركية سياسية مكثفة من خلال فتح مقرات وفروع حزبية جهوية ومحلية فيها وإحداث تنسيقيات بها أو عبر تحول كبار السياسيين ورؤساء الاحزاب إليها وعقد اجتماعات شعبية وجماهيرية.. غير أن كل ذلك يختفي بمجرد أن تنهي المحطة الانتخابية. فتعود حالة الركود السياسي وتتواصل إلى حين اقتراب موعد انتخابي آخر. ويتذكر السياسيون آنذاك أنه توجد جهات. وتوجد قواعد انتخابية جهوية يمكن ان تتحول إلى خزان انتخابي. غياب و«فقر» هذه الظاهرة يفسرها المختصون بأنها تعبير صريح وواضح على ما أصبحت تعانيه أغلب أحزاب ما بعد 2011 من «فقر» على مستوى العمل السياسي الجهوي والقاعدي الذي يمتد على مدار العام بلا انقطاع ودون اعتبار المواعيد الانتخابية. وهو ما تسهل ملاحظته لدى الاحزاب في الديمقراطيات الكبرى على غرار الدول الأوروبية والولايات المتحدةالامريكية. حيث يكاد لا ينقطع النشاط الحزبي والسياسي الميداني في الجهات وفي المحليات ويكون عادة على شاكلة زيارات مسؤولي الحزب وعقد اجتماعات ولقاءات مع المناصرين والقواعد في تلك الجهة والحضور في وسائل الاعلام الجهوية والمحلية والتداول في مختلف المشاغل التي تهم الجهة. وعندما يقترب موعد الانتخابات تجد الأحزاب نفسها جاهزة ولديها قاعدة صلبة في الجهة أو في المنطقة المحلية القريبة منها وترتكز عليها للقيام بالحملة الانتخابية النهائية. حضور إعلامي يرى المختصون في الشأن السياسي أن من ابرز أسباب هذا العزوف من الاحزاب عن النشاط في الجهات وفي المناطق الداخلية هو تعويلها بشكل مفرط على الحضور الاعلامي في القنوات التي تشهد نسب مشاهدة مرتفعة. ففي فلسفة عديدي السياسيين يكفي على مدار العام وبعيدا عن المواعيد الانتخابية الظهور «المثير» في برنامج تلفزي أو اذاعي خلال فترة ذروة المشاهدة أو الاستماع أو في حوارات بالصحف والمواقع الكبرى لترويج أفكاره أو أفكار حزبه اعتقادا منه أن ذلك كفيل باستقطاب مناصرين وقواعد انتخابية من كافة انحاء الجمهورية. حيث تنتشر أغلب وسائل الاعلام. ثم مع اقتراب الانتخابات يقع القيام ببعض الزيارات الميدانية «الشكلية» لتدعيم ذك الحضور الاعلامي وللاستقطاب النهائي للناخبين، مع لجوء البعض منهم أحيانا إلى طرق مخالفة لأخلاقيات العمل السياسي السليم (شراء ذمم الناخبين مثلا). نفور من السياسة غياب أنشطة الأحزاب والسياسيين في الجهات على مدار العام وكثافتها مع اقتراب المواعيد الانتخابية أصبحت ظاهرة مكشوفة لدى جلّ التونسيين. ويبدو أنها تحولت مع تقدم الوقت الى ورقة خاسرة خصوصا في ظل تزامنها مع حالة عامة من عزوف الناس في السنوات الأخيرة عن الاهتمام بالحياة السياسية وعن الانخراط في العمل الحزبي لعدة أسباب أخرى. لكن الأخطر من ذلك هو أنها أصبحت تتسبب في تهميش الحياة السياسية الطبيعية وأحيانا في القضاء عليها تماما في بعض الجهات. وهو مؤشر خطير من شأنه أن يهدد الديمقراطية والحكم التشاركي. الحزب الاشتراكي الدستوري.. والتجمع العمل الحزبي على مدار العام في الجهات كان معولا به في تونس في العهدين السابقين ( رغم اقتصاره على الحزب الحاكم ورغم أنه كان يستند الى قوة مالية ولوجيستية متأتية في غالب الأحيان من إمكانيات الدولة). حيث كان الحزب الاشتراكي الدستوري في عهد بورقيبة أو حزب التجمع في عهد بن علي يكثف من مثل هذه الانشطة على مدار العام بكل الجهات دون استثناء سواء عبر زيارات القيادات الحزبية أو عبر عقد ما يعرف ب»الندوات الجهوية» أو مؤتمر ما بين المؤتمرين وكانت كل الهياكل الجهوية والمحلية نشطة دون انقطاع. وكان بإمكان الأحزاب الكبرى الاستفادة من هذه التجربة من حيث الشكل قصد تنشيط الحياة السياسية في الجهات. تحركات مكثفة في الجهات في المدة الأخيرة برزت عديد الاطراف السياسية بأنشطتها في الجهات تزامنا مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي القادم. فحزب نداء تونس قرر تنظيم المؤتمرات القاعدية والمحلية لنواب المؤتمر من 1 إلى 3 فيفري 2019 والجهوية من 8 إلى 10 فيفري وقبل ذلك عقد مؤتمرا جهويا كبيرا الاسبوع الماضي في نابل. وأمين عام حركة مشروع تونس عقد مؤخرا اجتماعا شعبيا كبيرا في صفاقس شأنه شأن مهدي جمعة رئيس حزب البديل الذي أشرف مؤخرا على اجتماع شعبي كبير في قصر هلال. أما حركة النهضة فتواصل بدورها أنشطتها الجهوية في عديد المناطق. وقد انخرط في هذا التمشي المشروع الحزبي الجديد الذي تدعمه كتلة الائتلاف الوطني في البرلمان والذي قد يرأسه رئيس الحكومة يوسف الشاهد والذي عقد مؤخرا عدة اجتماعات ولقاءات في الجهات لاستقطاب مناصرين وقواعد..