الدكتور سمير الطرابلسي هو واحد من الكفاءات الوطنية في الخارج متحصل على الدكتوراه في المحاسبة والماجستير في الحوكمة والشفافية أستاذ بجامعة كندا يزور تونس هذه الأيام في إطار إلقاء محاضرات حول الحوكمة في مختلف المجالات. التقته «الشروق» للتحاور حول رؤيته لواقع الحوكمة في تونس في مختلف المجالات، وتقديره للأزمة الاقتصادية. وقد أكد الدكتور سمير الطرابلسي على مبدأي الشفافية وتطبيق القانون لضمان وديمومة النجاح في إطار تطبيق محكم للحوكمة. وفي ما يلي تفاصيل الحوار: هل يمكن أن نُرجع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا بالأساس إلى سوء الحوكمة أوغيابها؟ الأزمة ترجع إلى عدة أسباب ولو نظرنا إليها من زاوية الحوكمة بعد سنة 2008 تقلصت فرص الاستثمار في العالم أجمع. ولجلب المستثمر الأجنبي لا بد من نظام حوكمة. ولكن في تونس ليست الحوكمة ضعيفة فحسب. بل إن الإطار العام يعتبر ضعيفا أيضا وعوض تغيير الحكومات فالأمر يتطلب أن يتفق جميع الأطراف على منوال تنمية وعلى كيفية خلق الثروة وكيفية توزيعها حينها يمكن أن نضع استراتيجيات في مختلف المجالات بدورها تهدف إلى خلق الثروة. إلى اليوم لم يحدث نقاش جديّ بعيدا عن المصالح الحزبية يتم فيه طرح سؤال كيف سنخلق الثروة في تونس فالنسبة الكبيرة في عدد العاطلين عن العمل مؤشر دال على أن منوال التنمية الذي نعتمده عديم الجدوى. وقد اختصصت في مجال حوكمة الشركات المدرجة بالبورصة وحوكمة الجمعيات غير الربحية. ولكن مهما تعددت المجالات تحافظ الحوكمة على نفس المفهوم. اليوم يجب وضع آليات حوكمة ومنها مجلس الإدارة. ولذا يجب أن يكون مهيكلا ويتضمن كفاءات تتوفر فيها كل الشروط اللازمة وأن لا يقتصر دور هذا المجلس على الرقابة. بل يكون مرشدا ناصحا مقترحا وله صبغة استشرافية.فعدة شركات تسجل خسارة وإفلاسا. ولكن لا نهتم إلا بالنتيجة. ولا ننظر بعمق إلى الأسباب التي من أهمها غياب هيئة استشارية في تلك المؤسسة أو لعدم كفاءة الأشخاص في تلك الهيئة إن وجدت. هل لنا مشكل تخطيط في تونس أم مشكل أشخاص أم إمكانيات أم أمور أخرى؟ نحن في حاجة أولا إلى الهدوء. فهناك البيئة التي تحيط بالحوكمة وأول شيء هو تطبيق القانون. وعلى مجلس نواب الشعب أن يسارع بالمصادقة على عدة قوانين لا تزال في الرفوف. وبها يمكن تفعيل الإصلاحات الكبرى منها التي تهم الصناديق الاجتماعية وغيرها إلى جانب تطبيق معايير الشفافية. ولابد أن يكون مثال الحوكمة نابعا من الشركاء فيها.فكيف لفئة مثلا أن تعطل إنتاج الفسفاط وتحدث أزمة في القطاع؟ هذا أمر غير مقبول مهما كانت دوافعه. أثار قانون المالية جدلا كبيرا هل ترى أن هناك مؤاخذات واقعية على هذا القانون؟ إذا أردت أن تُطاع فاطلب ما هو مستطاع. للأسف حكومتنا تُقصف كل يوم من كل جانب مما يجعل الوضع يعالج بطريقة الإسعاف دون استراتيجية. وللحقيقة لاحظت وجود عديد الكفاءات الدولية في هذه الحكومة مثل السيد فيصل دربال والسيد توفيق الراجحي وغيرهما فلهم من الإمكانيات ما يُحسّن هذا الوضع. ويجب أن نساعدهم على العمل. ولكن الإشكال يكمن في الاختيارات التي قد لا ترضي الكل. فعلينا أن نختار إما فرض الجباية على الكل وتكون هناك عدالة جبائية ونتمتع بخدمات عمومية أو تقتصر الجباية على قطاعات دون أخرى. لذلك لا بد أن تتفق كل الأحزاب على إيجاد حلول لإيجاد الثروة بعيدا عن المصالح الحزبية... فالأداءات في كندا مثلا تصل إلى نسبة خمسين بالمائة. ولا سبيل إلى الهروب من الدفع. وفي المقابل هناك خدمات عمومية راقية وبالتالي علينا القيام بواجباتنا ثم المطالبة بحقوقنا. كنت قد قدّمت العديد من المحاضرات لفائدة المجالس البلدية الجديدة. كيف تقيم هذه المرحلة «الجديدة « التي تعرفها البلديات التونسية بعد الانتخابات؟ لا يمكن أن ننكر الافتخار بما حصل من ممارسة ديمقراطية ومنها في المجال البلدي. ولكن «حضرنا الحصير قبل الجامع». ويمكننا التدارك بوضع آليات الحوكمة. وعلى الجميع أن يتجهوا لخدمة الشأن العام بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة. وما لاحظته في مختلف المجالس البلدية هو عدم الاتفاق على العمل من أجل الصالح العام. وهذا يفقدهم المصداقية لدى المواطنين. والمشكل الأكبر هو الضبابية الحاصلة بين السلطة المركزية والسلطة المحلية فاللامركزية لا تعني الحرية المطلقة.كما يجب على المجتمع المدني أن يفهم أنه ليس بالمجلس البلدي. فيمكن له أن يعبر عن رأيه ويقترح. ولكن الكلمة الفصل تبقى للمجلس البلدي ويتحمل مسؤولية قراراته. وما لاحظته أيضا في المجالس البلدية عدم تفاهم وانسجام بين المستشارين وغياب الانضباط التشاركي. وما حدث في المجلس البلدي بسوسة حول الملعب الأولمبي دليل على ذلك. كما وجب التأكيد على دور المواطن باعتباره مسؤولا وشريكا في العمل البلدي إضافة إلى الجدوى الجماعية بعد تحديد هوية كل بلدية. فمثلا اقترحت على بلدية المنطقة التي أقطن فيها في كندا شراكة مع بلدية شط مريم (مسقط رأسي). فطلبوا جملة من المعطيات منها رمز البلدية وخصوصيتها وأن يكون لها موقع الكتروني يتضمن جملة الأنشطة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية واعتماد الحوكمة. ولكن لم أجد شيئا من هذا. بحكم خبرتك واختصاصك هل اتصلت بك بعض الجهات الرسمية التونسية قصد استشارتك في بعض القضايا؟ أنا لا أنتظر أي دعوة. بل أدعو نفسي. كيف أنتظر دعوة من بلادي فهل ينتظر شخص دعوة من عائلته؟ بادرت بالعديد من الأشياء منها المداخلات والبرامج التكوينية وعدة مقترحات. وأفعل ذلك من باب رد القليل من الكثير التي قدمته لي تونس فلولاها لما واصلت دراستي ولما تخرّجت. فقد أنفقت عليّ حتى أصبحت في مثل هذا المستوى. وأبقى مدينا لبلادي ما حييت وفي خدمتها طول العمر.