بغضّ النظر عن الفوضى التي يعيشها الجنوب الليبي والذي يرتع فيه جميع انواع الميليشيات من تهريب وسلاح واقتتال واتجار بالبشر وحتى الارهاب، فإن الصراع المحتدم على هذا «الكنز» (نفط وغاز وذهب) بين القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي فائز السراج عنوانه الاساسي الاقتصاد من أجل اكمال احكام السيطرة على البلاد في ظل الانقسام الذي تشهده ليبيا بين المعسكر الشرقي (بنغازي) والغربي (طرابلس) بالإضافة إلى إضفاء شرعية اقليمية ودولية لهذا الطرف أو ذاك. أهمية الجنوب الليبي الاستراتيجية تفسر اعتماد الطرفين (حفتر والسراج) على جميع الاوراق لحسم هذه المعركة، فمثلا يعول حفتر مع الجيش الليبي كنواة اساسية على ولاء عديد القبائل مثل المقارحة والحساونة التي تسيطر على مصادر المياه التي تغذي الشمال. كما أن قبائل المقارحة تؤمن له أيضاً قاعدتي براك الشاطئ وتمنهنت بالقرب من سبها، فيما تتوزع المناطق الحيوية داخل سبها كالمطار والمعسكرات بيد القبائل كل في منطقتها، وأهمها أولاد سليمان التي تسيطر على اللواء السادس، فيما أمّنت له قبائل الزوية والمحاميد في الجنوب السيطرة على قاعدة لويغ القريبة من الحدود التشادية، بالإضافة لتأمينها مواقع النفط في تازربو والسرير والشرارة. أما السراج العائد الى الجنوب فيعتمد اساسا على خصوم حفتر على قاعدة «عدو عدوي صديقي»، لذلك جنّد للمعركة الفريق الركن علي كنه الذي يبلغ من العمر 74 عاما والذي تولى عدة مناصب قيادية في عهد القذافي أهمها آمر منطقة سبها، وآمر لواء المغاوير، وآمر منطقة أوباري الدفاعية، وكان قد شارك في المعارك ضد الجيش التشادي في منطقة أوزو الحدودية عام 1987. كما أمر السراج قائد المنطقة العسكرية الغربية أسامة الجويلي بإرسال قوة من حرس المنشآت النفطية إلى حقل الشرارة، بهدف تأمينه، إلا أن وحدات الجيش الوطني التابعة لحفتر سارعت إلى السيطرة على الحقل، وهو ما فتح الباب الآن أمام احتمال وقوع صدامات بين الجيش الوطني وقوات جويلي وكنه، الأمر الذي حذر منه عدد من الشخصيات والوجهاء المحليون في جنوبي البلاد. وبين هذا وذاك يزداد الانقسام الليبي ويدخل المشهد مجددا في منعرجات خطيرة ودموية قد تودي بالبلاد الى حرب طاحنة لا تحمد عقباها في ظل الصراع الاقليمي والدولي ايضا والذي زاد الطينة بلّة. إنها الحرب من أجل الاقتصاد أو ما تبقى منه وكذلك من أجل إضفاء الشرعية على أحد الششقين المتنازعين.