شهدت قضية التبرع بالاعضاء جدلا واسعا من الناحية الشرعية، وزاد من رقعة هذا الجدل والخلاف غياب رؤية واحدة قائمة على أحكام فقهية واضحة تجاه هذه القضية. ولعل أسباب الخلاف تعود إلى بملكية هذه الأعضاء هل هي للإنسان أم أنها وديعة لله عز وجل لا يجوز التصرف بها كما يتساءل عن ضوابط التبرع هل هو مطلق ام مقيد بشروط وحدود، عن هذا الموضوع فتحنا ملف هذا الاسبوع . لا شك أن التبرع بالأعضاء جائز بل مستحب بشروطه وقيوده، إذا كان التبرع بالمال صدقة بالمال لإنقاذ فقير أو مريض أو بائس من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى فما بالك بمن يتبرع ببعض بدنه، هذا أمر محبب في الإسلام، إن الله يعتبر هذا من ضمن إحياء النفس قال تعالى : {..من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ..}[المائدة:32]، فنحن نساهم بالتبرع بالأعضاء في إحياء نفس بشرية، وكل عمل يعني في هذا الجانب يعتبر من أعظم العبادات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، إغاثة ملهوف، او إنقاذ إنسان من آلام يتألم بها، او إنجاد حياة الإنسان وقد وضع علماء الشريعة لعملية التبرع بالاعضاء ضوابط وقوانين يجب ان تراعى حتى يستقيم التبرع شرعا فالإنسان لكي يتبرع بجزء من بدنه لا بد أولا أن يكون بدنه سليما، وان تكون أعضاؤه سليمة، كما لا يجوز التبرع باعضاء لا يملك المتبرع بديلا عنها لانها مفردة في جسمه ويحتاجها بالضرورة مثل اللب او الكبد كما يجب ان تكون الاعضاء سليمة سواء الجزء المقصود بالتبرع او الجزء الاخر المتبقي وهنا نضرب مثلا في ذلك بالكلية اذ بشرط أن تكون الكلية المتبرع بها سليمة تماما والكلية الأخرى سليمة ايضا بحيث لا يعرض نفسه للخطر، لأن القاعدة الشرعية أن الضرر يزال بقدر الإمكان، فإذا وجدنا ضررا عند إنسان وأمكننا أن نزيل هذا الضرر يجب علينا أن نزيله، ما دمنا نقدر على إزالته، ولكن من القواعد التي تكمل هذه القاعدة أن الضرر لا يزال بالضرر، وفسر العلماء هذا القول بان الضرر لا يزال بضرر مثله أو بضرر أكبر منه. ومن هنا لا بد من إجراءات طبية، والأطباء يجب ان يفحصوا الشخص ويتأكدوا أولا من مناسبته للشخص الذي سيتبرع له، لأنه قد لا يكون مناسبا له ويضره أكثر مما ينفعه . وذهب اهل العلم الى وجوب توفر ضابط اخر وهو أن يملك الشخص التبرع اهلية التبرع، فلا يجوز أن يتبرع إنسان غير بالغ ولا عاقل، اي لا تجوز عملية التبرع من الأطفال ولا من المجانين، ولا يجوز للولي أن يتبرع عنهما، وقد ذهب بعض الفقهاء الى عدم جواز التبرع من الميت تفسيرا للحديث الذي جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام «كسر عظم الميت ككسره حيا»، ولكن تمت معارضة هذا التأويل بان ذلك الحديث جاء في سياق الحديث عن حرمة الشخص اذ أن الإنسان له حرمة حيا وميتا، فلا يجوز أن تنتهك حرمة الميت كما لا يجوز أن تنتهك حرمة الحي، وكسر عظم الميت لا يجوز لأنه مثل كسر عظم الحي أي في الإثم، وهذا ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم : حين قال في الحرب «لا تمثلوا» يعني لا تشوهوا الجثة. وقد تحرج بعض المسلمين حين اشكل عليهم مسألة التبرع لغير المسلم او اخذ اعضاء غير المسلم غير ان هذا التحرج لا سند شرعي له اذ يجوز للمسلم أن يأخذ أي عضو من غير المسلم، وكثير من المسلمين الذين يذهبون إلى بلدان العالم المختلفة ليأخذوا من بعض البنوك التي تتولى جمع الاعضاء التي يحتاجونها مثل الكلية أو غيرها، فالهدف هو انقاذ الحي وتخفيف الامه . فالإنسان يجوز أن يأخذ من غير المسلم ويجوز أن يعطي أيضا غير المسلم، وهذه العملية اشبه ما تكون بالمال فكما يجوز الصدقة على غير المسلم، مثلما ذكر القرآن {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا..}[الإنسان:8] والنبي عليه الصلاة والسلام وبعض الصحابة كانوا يتصدقون على أقاربهم المشركين. وقد اجمع الفقهاء على ان الميت إذا أوصى التبرع باعضائه فيجب أن تحترم قياسا على وصيته إذا أوصى بالمال، فالقرآن حينما يتحدث عن تركة الميت يقول {..من بعد وصية يوصي بها أو دين..}[النساء:11] {..من بعد وصية توصون بها أو دين..}[النساء:12] فالوصية قدمها الله تعالى حتى على الدين وهذا في المال ففي غيره لا شك انها اوجب.