قال عنه جعفر ماجد «ثقة كنت والثقاة قليل... وكريما حييت لم تتكسب» وقال عنه الراحل المنجي الشملي ««إنه يفرط في السرعة ولكنه يتقن سياقة برامجه...» هو صالح جغام الذي تمر اليوم الجمعة 22 فيفري الذكرى الثامنة والعشرون لرجيله ... صالح جغام فارس الميكروفون الاذاعي ...الصوت المتفرّد... المنتصر للإبداع الخالد والطرب الأصيل في كل برامجه التي احتفى بها بكل جديد مفيد ممتع في الثقافة العربية. ثمان وعشرون سنة تمرّ اليوم على رحيل الصوت الاذاعي الذي كان يعيش ما يقدمه من برامج بأحاسيسه، في كل برامجه مذاق خاص ولون بطعم النقاء والبهاء والصفاء. هو صالح جغام البلبل المتفرّد بأناشيده في الاذاعة... أناشيد الحياة والارتقاء بالذائقة نحو الأرقى والأجمل... صالح جغام أحببنا فيه توتّره، غضبه، زمجرته... هي سمة بارزة ينفرد بها، وخاصية متفردة في سلوكه وعلاقته بمحيطه... سمة بارزة أحببناها في هذا الصوت المثقف الذي اختار عن حبّ وإيمان التغريد خارج القوالب الجاهزة والكلاسيكية فأعطى روحا جديدة للإذاعة. صالح جغام عاشق التحدّي والانتصار على العقبات بطول نفس ومثابرة... رجل يعيش متعة العمل حتى الثمالة... ما أن ينتهي من احدى حلقات برنامج له حتى يشرع في الاعداد للقادم بحماس كبير.. ديدنه الوحيد التفرّد والبحث عن اللامعلوم والا متداول سواء تعلق الأمر بلقاء مع مبدع، أو أغنية جديدة... مبدع مغامر وهب الميكروفون حياته وجهده، وهو الذي كتب أحلى صفحات العطاء الاذاعي دون منّ ولا مواربة... فكان «يوم سعيد» و«حقيبة المفاجآت» و«لقاءات عربية» ... وغيرها من البرامج عنوان المثابرة والجدية والاخلاص في مسيرة هذا الصوت الاذاعي الخالد . حوار نادر مع ارملة الشابي لن ننسى في مسيرة هذا الاذاعي الخالد، اللقاء الوثيقة مع أرملة الشاعر التونسي الكبير «شهلة الشابي» حيث اجتهد صالح جغام في الحصول على حوار خاص معها، فكان أن أرسل لها احدى المستمعات الوفيات ل «حقيبة المفاجآت» «ذكرى المانسي» وهي تلميذة في المرحلة الثانوية في تلك الفترة مع جهاز تسجيل إذاعي «Nagra»... لينفرد في إحدى حلقات هذا البرنامج بالحديث الذي يعدّ وثيقة صوتية نادرة خالدة على مدى العصور والأزمنة. ولن ننسى احتفاءه الصاخب والمتوهج برائعة المطرب العربي الكبير محمد عبد الوهاب «من غير ليه» التي عمل كل ما في وسعه على أن يكون أوّل من يبثها... دخل في سباق محموم مع الراحل نجيب الخطاب في إطار تنافس شريف... وكسب صالح جغام الرهان... كان تعامله مع «من غير ليه» تعاملا ابداعيا خالصا كأنها ملك خاص له... ولا غرابة في ذلك على اعتبار أنه كان تواقا للجمال الخالص، متبنيا للإبداع الذي ينتصر للحياة الكريمة رافضا كل أشكال الاستخفاف... خلافه مع عادل امام ومن المعروف عن الاعلامي الراحل صالح جغام أنه كان سريع التشنّج في عمله، يرفض عدم الرضوخ ، في التعامل، من ذلك أنه اتّصل بالممثل الكوميدي المصري «عادل إمام» عند وجوده بتونس في احدى دورات أيام قرطاج السينمائية واتفق معه على اجراء لقاء إذاعي معه، لكن عادل إمام أقفل الخط في وجهه. فذهب الاعلامي الراحل الى النزل الذي كان يقيم فيه الممثل المصري وواجهه قائلا « اذا انت عادل امام في مصر فانا صالح جغام في تونس» .... وتدخلت عديد الأطراف لتطويق الخلاف بعد اعلام عادل امام ان من اقفل الخط في وجهه هو أحد أعلام الاذاعة في تونس، وبعد المصالحة، تم تسجيل لقاء تلفزيوني متفرد مع عادل امام يعد وثيقة نادرة في خزينة التلفزة التونسية. فاتن حمامة «بطلنا التسجيل» التقى الراحل طالح جغام الممثلة المصرية فاتن حمامة واتفق معها على ان تكون ضيفته في برنامجه الإذاعي « للقاءات عربية» وقبل بداية التسجيل دار حديث بينهما حديث حول الشعر والشعراء والسينما ونسبت فاتن حمامة للشاعر الكبير احمد شوقي البيت الشهير: إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلابد أن يستجيب القدر حاول صالح جغام اقناع فاتن حمامة بأن البيت المذكور لشاعر تونس الفذّ «أبو القاسم الشابي»، إلا أنها تمسّكت بقولها وبمعلوماتها الخاطئة، مما أثار غضبه ودفعه الى إلغاء تسجيل الحصة وقال لها بالحرف الواحد: «بطّلنا التسجيل» . «برا يرحم والديك» ويذكر أن احدى المستمعات تدخلت مرّة وكانت لا تعرف السؤال الذي طرحه منشط «فجر حتى مطلع الفجر» فقال لها المذيع الراحل بصريح العبارة «برّا يرحم والديك»وقطع الاتصال. هكذا كان صالح جغام الخالد على الدوام في الذاكرة... رجل صادق الميكروفون ومكن الإذاعة التونسية من تراث ثقافي واعلامي من شأنه ان يكون هدايا للأجيال القادمة وذاكرة للاذعة لا تمحوها الأيام.