وسط صخب من ازدحام التصريحات والسلوكيات والمشاريع السياسية المتناقضة حول الجغرافية الشمالية من سوريا، وفي ظل ضبابية الانسحاب الأمريكي ومساعي صقورها إلى تعقيد المشهد الميداني وعدم التزام تركيا بتعهداتها وتمسكها بحلم المنطقة العازلة، جاءت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران لوضع النقاط على الحروف ومواجهة رهانات محور واشنطن والتعبير عن مواجهة الأخطار المشتركة بقرارات مصيرية تتطلب تمثيلاً عالي المستوى، تزامناً مع احتفالات الجمهورية الإسلامية بذكرى ثورتها الأربعين التي شكلت هزة جيوسياسية على مستوى النظام الإقليمي، بعد أسبوعين من الاجتماع الرابع لزعماء محور أستانا، الذي يبدو أن دمشق غير راضية عن مخرجاته. وهذا ثبت واضحاً من خلال تصريح الرئيس الأسد مؤخراً أثناء استقباله رؤساء المجالس المحلية عندما وصف رئيس النظام التركي بأنه أداة صغيرة بيد الأمريكي. مشهد لقاء شركاء النصر الذي ظهر في طهران عبر اجتماع الرئيس الأسد مع قائد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، من شأنه أن يرخي بآثاره على مستوى المنطقة، ومن شأنه أن يرسم معالم مواجهة التحديات المقبلة ويحدد أولوياتها في ظل التدخلات الإقليمية والدولية وتعقد المشهدين السياسي والعسكري . وهذه التحديات تتجلى أولا في مواجهة التكتيكات الأمريكية التي تعكس حالة عدم المصداقية في الانسحاب الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسعي صقور الإدارة الأمريكية الحالية، الى الحفاظ على النفوذ في الشمال السوري . أما التحدي الثاني فيتمثل بمواجهة السلوك العدواني المحتمل للكيان الإسرائيلي. ويتمثل التحدي الثالث في السلوك التركي الذي يبدو أنه مستمر في سياسة القفز على الحبال لتحقيق أكبر قدر من المنافع والمكاسب السياسية، ولقاء الرئيس الأسد بنظيره حسن روحاني، في خطوة تحمل أبعاداً ورسائل سياسية متعددة تتضمن أكثر من مؤشر: الأول رغبة الرئيس الأسد في الاطلاع على أدق التفاصيل التي دارت في اجتماع سوتشي مؤخراً، وثانياً التعبير عن حالة عدم ثقة القيادة السورية بالسلوك التركي قبيل الاجتماع المقبل لقادة أستانا بعد شهر، وثالثاً الاتفاق على قائمة أسماء اللجنة الدستورية والاتفاق على صيغة عملها وشكلها وآلية التصويت والتمثيل ضمنها، ورابعاً تنسيق الجهود المشتركة لحسم معركة إدلب ومواجهة مشروع المنطقة الآمنة، والبدء بتطبيق إجراءات فعلية ميدانية على هذين الصعيدين من شأنها أن تصحح السلوك الروسي وتدفعه الى الوصول إلى قناعة مفادها أن الحلول السياسية وصلت إلى أفق مسدود كما هو حال الصبر السياسي.