تشهد الساحة السياسية من حين إلى آخر ظهور «مبادرة سياسية» جديدة ليس من أجل تكوين حزب بالمعنى الكامل للكلمة وإنما لتجميع أحزاب قائمة وشخصيات وطنية تحت مظلة واحدة. فهل هو تراجع للأحزاب بمفهومها التقليدي؟ تونس الشروق: تعددت في السنوات الاخيرة مبادرات بعض السياسيين لتشكيل هيكل يختلف عن الحزب بمفهومه التقليدي لكنه يرتكز على أحزاب قائمة وعلى شخصيات سياسية غير منتمية لأي حزب. وهو ما حصل مثلا منذ حوالي عام مع مبادرة «تونس إلى الامام» لتجميع اليسار التي دعا إليها الوزير السابق عبيد البريكي. وفي جوان 2018 قال مدير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ناجي جلول أنه سيُعلن عن مبادرة سياسية جديدة هي «عهد تونس» لإخراج البلاد من الأزمة السياسية وقال جلول إنه ليس لها أية علاقة بالأحزاب السياسية بل عبارة عن جبهة وطنية تنص على ملامح وتصور لتركيبة الحكومة القادمة. وفي سبتمبر 2018 أعلن مؤسس الجمهوري ورئيسه المستقيل أحمد نجيب الشابي اطلاق مجمع مدني سياسي أو حركة مواطنية مدنية للتغيير في 2019 وستجمع الحركة كل الكفاءات التونسية، لتحدث تغييرا وتحل الأزمة الحالية، وفق تعبيره. وأشار، إلى أن مبادرته موجهة للجميع من اليسار المعتدل إلى الدستوريين. وقبل ذلك سبق للشابي أن أطلق في 2017 مبادرة تكوين الحركة الديمقراطية. وفي فيفري 2019 تم الاعلان أيضا عن مبادرة «الالتقاء الوطني للإنقاذ» من قبل شخصيات سياسية ووزراء سابقين ورجال دولة على غرار الوزيرة السابقة سميرة مرعي والوزير السابق مبروك كورشيد. وتدعو هذه المبادرة إلى الالتقاء حول مشروع وطني مشترك تغلب عليه المصلحة الجماعية، ويكون قادراً على «تجميع التونسيين» و"إنقاذ البلاد" من الأزمة السياسية الخانقة التي تتخبّط فيها وفق أصحابها. ومؤخرا أعلن امين عام حزب الجمهوري عصام الشابي تأسيس ائتلاف انتخابي تقدمي جديد يضمّ الجمهوري والحركة الديمقراطية والمسار والمستقبل وعددا من الشخصيات الوطنية والجمعيات وسيعلن عنه يوم 17 مارس المقبل. توجه السياسيين نحو مثل هذه المبادرات يدفع إلى التساؤل عن أسبابه ان كانت ذات علاقة بفشل الاحزاب بمفهومها التقليدي في تلبية طموحات السياسيين ام بسبب تصفية حسابات سياسية من خلال حرب «الاستقطاب». أحزاب قوية ووفق المتابعين فان هذا التوجه يمثل ضربة للديمقراطية التمثيلية التي انخرطت فيها البلاد منذ 2011 خصوصا في ظل نظام شبه برلماني يرتكز أساسا على احزاب قوية ومتنوعة قائمة على الاختلاف الفكري وتضم وجوها سياسية نضالية وقادرة على القيام بمهامها السياسية سواء كانت في الحكم ام في المعارضة.. لأن التوجه نحو اطلاق مثل هذه المبادرات السياسية يكون عبر تجميع أحزاب وشخصيات مستقلة دون ان تكون بينها احيانا روابط فكرية أو تقارب في الرؤى والأفكار .. كما أن تزامن هذه المبادرات مع اقتراب الموعد الانتخابي يثير بدوره الشكوك حول غايتها الحقيقية ان كانت فعلا تلك المعلنة عند تأسيسها أم هي فقط لتحقيق الفوز في الانتخابات عبر قائمات مشتركة ثم تتلاشى بعد ذلك. عزوف ووفق الموقف نفسه فإن هذا التوجه من شأنه ان يزيد من ظاهرة عزوف الناس عن العمل السياسي وخاصة عن الانخراط في العمل الحزبي لان الرؤية أصبحت غير واضحة امام المواطنين حتى يقدروا على الاختيار الامثل للطرف الذي يمثلهم ويمثل توجهاتهم الفكرية، وهو ما يهدد المشهد السياسي بشكل عام والتجربة الديمقراطية التي تخوضها البلاد بشكل خاص. تجميع الشتات غير ان هناك من يرى في هذا التوجه آلية من آليات تجميع شتات الأحزاب الصغرى او غير القادرة على منافسة الاحزاب الكبرى في الانتخابات كما انه يمكّن احيانا من تجميع مكونات سياسية ذات توجه فكري وسياسي واحد ويحميها من التشتت فتصبح بذلك قوية وقادرة على لعب دورها السياسي على افضل وجه. وهو ما عانت منه طوال السنوات الماضية مكونات اليسار وايضا العائلة الدستورية وكذلك العائلة الوسطية.. ويبقى الأهم بالنسبة لمثل هذه المبادرات حسب الخبراء السياسيين هو ان تكون قائمة على ارضية تشاركية صلبة وأن لا تكون مناسباتية بمناسبة اقتراب المواعيد الانتخابية ثم تتلاشى في ما بعد ولا تكون ايضا من اجل تصفية الحسابات السياسية حتى لا تسقط في عدم احترام أخلاقيات العمل السياسي. أبرز المبادرات مبادرة «تونس إلى الامام»- عبيد البريكي مبادرة «عهد تونس» – ناجي جلول مبادرة «الالتقاء الوطني للإنقاذ» – مبروك كورشيد وسميرة مرعي مبادرة «الحركة الديمقراطية»- نجيب الشابي مبادرة ائتلاف انتخابي يضمّ الجمهوري والحركة الديمقراطية والمسار والمستقبل وعددا من الشخصيات الوطنية والجمعيات – عصام الشابي ونجيب الشابي