أصبح «الانتحار حرقا» ثقافة يتبناها أطفال تونس وشبابها. هذا ما تؤكده مؤشرات كثيرة أحدثها حكاية التلميذ الذي هدد بالانتحار حرقا هذا الأسبوع وهو يتسلق سور مدرسته منتشيا باستهلاكه لمادة مخدرة في بوحسينة بسوسة. تونس (الشروق) وقبله بأيام قليلة سكب شاب، 26 سنة، البنزين على جسده استعدادا للانتحار حرقا في ساحة 14 جانفي بشارع بورقيبة تأثرا بوضعه النفسي والاقتصادي والاجتماعي. وحدث ان أقدم خمسة اشخاص خلال أسبوع واحد، الأسبوع الأخير من ديسمبر 2018، على الانتحار حرقا احتجاجا على تردي أوضاعهم الاجتماعية. يحدث كل هذا وسط صمت رسمي لا ينبئ بان الدولة جاهزة لتطويق الظاهرة ومعالجتها قبل انتشارها كاللهيب في القش. صمت الدولة هذا الصمت الرسمي يتّضح من خلال عدم المبادرة بإحداث أي برنامج يُعنى بالانتحار والوقاية منه في الوقت الذي اثمرت فيه مجهودات المجتمع المدني، المرصد الاجتماعي التونسي، خارطة لظاهرة الانتحار في مختلف الجهات وحسب اشكال الانتحار دون تسجيل أي تفاعلات تذكر من قبل السلطات مع هذه المجهودات. بل إنّ الدولة احتفظت بمقعدها كراصد لحالات الانتحار لتبادر بإصدار تقارير سنوية تُحْصي عدد الضحايا ومن حاولوا الانتحار دون تقديم أي برنامج او خطوة جديّة نحو الحد من هذه الظاهرة والتي تؤكّد حادثة تهديد تلميذ في بوحسينة بالانتحار حرقا تأصلها كثقافة لدى الناشئة. هؤلاء، الناشئة، هم جيل الحريات الذين وُلِدةا من بين ثنايا لهيب اشعله شهيد الفقر محمد البوعزيزي في جسده وهم ذاتهم من عجزت مختلف الأطراف المتدخلة في عملية التنشئة في تدريبهم على حرية التعبير وحسن التعبير ووفقا لأشكال فعّالة في الاحتجاج والتعبير. تدريب الأطفال على الاحتجاج يتضح فشل هؤلاء من خلال الطريقة الاحتجاجية التي خاضها التلاميذ دفاعا عن حقهم في انهاء الازمة المستمرة آنذاك بين اساتذة التعليم الثانوي ووزارة الاشراف فالكثير من التلاميذ ب»التزفير» وبرفع شعار «ما نحبوش نقرو» والحال ان غضبهم كان اقوى من ذلك بكثير لكن لا أحد درّب هؤلاء على التعبير والاحتجاج ورفع الشعارات الضرورية. لأجل هذا كله، وبسبب فشل الاسرة والمؤسسة التربوية والاعلام في نشر ثقافة توعوية، ظلّت اسطورة شهيد الفقر محمد البوعزيزي أفضل اشكال التعبير في انظار أطفال وشباب تونس. وامام استمرار سلبية الدولة تجاه هذه الظاهرة سيستمر تأصل هذه الثقافة ولا تستغربوا انتحار أطفال داخل اقسامهم او انتحار مربّي داخل الحرم المدرسي او انتحار أطفال بشكل استعراضي في أماكن أخرى كثيرة من الفضاءات العامة والخاصة. نحن نتعامل مع ظاهرة الانتحار بشكل سلبي جدّا وليس في حوزة اية وسائل مقاومة للحول دون انتشارها ومعالجتها حتما تحتاج تأصيل ثقافة معاكسة تبدأ بتدريب الأطفال على كيفية التعبير وصولا الى احداث نواد لمكافحة الانتحار في مختلف المؤسسات التربوية. فالصمت يعني استمرار اللهيب وخلق جيل مؤمن بالعنف واوله العنف ضد الذات.