لم يعد البرلمان قادرا على ما يجب عليه القيام به في ملف «البعثات العسكرية « الى الخارج، فهو عاجز حتى عن تحديد دوره بشكل واضح، إن كان سلطة عليا مصادقته على هذا القرار حتمية، او هو مجرد هيكل استشاري يناقش الأمر دون المصادقة عليه. تونس «الشروق» سرحان الشيخاوي دخل مجلس نواب الشعب في سلسلة لا متناهية من النقاشات والجدل بسبب خلافات في التأويلات حول المصادقة على القرارات المتعلقة بارسال بعثات عسكرية الى الخارج، هذا الجدل أثارته البعثة العسكرية التي سافرت الى مالي منذ ما يقارب الشهرين وبقي البرلمان يتخبّط في خلافاته الداخلية في تأويل مضمون الفصل 77 من الدستور. خلاف حول الأغلبية قرّرت وزارة الدفاع ارسال بعثة عسكرية الى مالي، والتقى بعد اتخاذ هذا القرار وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر يوم 21 جانفي 2019 ,و كان الجميع يتحدث عن ضرورة مصادقة البرلمانية بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه (131 نائبا) وعند طرح ملف عجز الأغلبية المساندة للحكومة عن توفير هذه الأغلبية طُرحت فرضية أخرى وهي مصادقة البرلمان على هذا القرار بالأغلبية المطلقة (109) ليتطور النقاش داخل البرلمان لطرح هذا الملف في سياق اقتصار النواب على مناقشة القرار دون المصادقة عليه. الوزارة تتجاوز البرلمان أرسلت وزارة الدفاع البعثة العسكرية الى مالي منذ 18 جانفي 2019 ولم تنتظر مصادقة مجلس نواب الشعب، حتى أن المجلس بدأ يتخلى عن صلاحياته في هذا الملف تدريجيا حتى بلغ الأمر حد إقرار عدد من النواب بضرورة مناقشة القرار فقط وعدم المصادقة عليه خاصة وان عملية المصادقة أصبحت متجاوزة ولا قيمة لها باعتبار ان البعثة العسكرية انطلقت في عملها. مخالفة الدستور يبدو ان القرار الرسمي للبرلمان سيكون في سياق الاقتصار على النقاش فقط ويخالف بذلك مضمون الفصل 77 من الدستور الذي ينص على ان «يتولّى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة، ويختص بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة...كما يتولّى:إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه، وإرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيسيْ مجلس نواب الشعب والحكومة، على أن ينعقد المجلس للبت في الأمر خلال أجل لا يتجاوز ستين يوما من تاريخ قرار إرسال القوات..». العرف البرلماني الاشكال الجوهري في هذا الملف يتجاوز حد تراجع البرلمان عن ممارسة صلاحياته والتسليم فيها لصالح السلطة التنفيذية فقط، بل يتجاوز ذلك إلى اعتبار ما سيقوم البرلمان في سياق ملف البعثة العسكرية الى مالي «عرفا برلمانيا « يجب على كل البرلمانات القادمة الالتزام به، ففي غياب المحكمة الدستورية باعتبارها الهيكل الوحيد القادر على تأيول فصول الدستور يبقى العرف البرلماني الذي سيرسيه البرلمان الحالي ساريا على باقي البرلمانات القادمة. استنكار النواب تشهد كواليس البرلمان حالة استنكار كبرى من تجاوز السلطة التنفيذية لصلاحيات السلطة التشريعية، إضافة الى تراخي البرلمان في طرح هذا الملف والتراخي في طرح قرار إرسال البعثة على الجلسة العامة. ضبابية الدستور اللخبطة الحاصة في فهم الفصل 77 من الدستور التونسي جزء كبير منها يعود الى عدم وضوح الفصل، فصياغته لم تتضمن تحديدا واضحا لدور البرلمان إضافة الى التنصيص على الأغلبية المطلوبة بشكل جلي. الشواشي يحتج اعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية بمجلس النواب غازي الشواشي أن إرسال بعثة عسكرية جوية إلى مالي دون موافقة مجلس النواب فيه خرق صريح لمقتضيات الفصل 77 من الدستور.وكتب الشواشي على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ما يلي :» تم استكمال الشحن الجوي لمعدات وتجهيزات البعثة العسكرية الجوية المكونة من 75 عسكريا المكلفة بمهمة أممية لحفظ السلام في مالي بدون موافقة مجلس نواب الشعب (كانت هناك جلسة مخصصة ولكن تم تأجيلها إلى موعد لاحق)، ويبدو كذلك بدون موافقة رئيس الحكومة في خرق صريح لمقتضيات الفصل 77 من الدستور.