إن الشريعة الإسلامية باعتبارها شريعة عامة وشاملة، تقوم على أساس جلب المصالح ودرء المفاسد والحرص على حماية الإنسان من كل ألوان الخبائث التي تهدد حياته اليومية والتي من شأنها أن تصده عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، وأن تضرّ بعقله وتؤثر عليه وعلى صحته. والمخدرات هي نوع من الخبائث التي يؤدي تعاطيها إلى إلحاق الكثير من الأضرار بالإنسان سواء من ناحية العقل أو من ناحية البدن والمال. يعتبر تعاطي المخدِّرات من الممنوعات المحرّمة شرعاً، فهي تقع من ضمن ما يضر بالعقل والجسم، قال تعالى {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (المائدة 90 و91) وتندرج ضمن ما يهلك النفس التي أمر الإنسان بأن يحافظ عليها ويجنبها مواطن السوء والمنكرات، لأن حفظ النفس مقصدٌ من مقاصد الشريعة الإسلاميّة، فالجسد والنفس وديعتان من الله تعالى. ولقد شدد التشريع الإسلامي على تحريم المخدرات لأن ذلك يتفق مع تعاليمه للحفاظ على الأصول الضرورية الخمسة وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل وفي تعاطي المخدرات ما ينافي مقتضى الشريعة في المحافظة على هذه الأصول وخاصة العقل والمال. وهكذا نجد الشريعة الإسلامية تحرم كل اتصال بالمخدرات كزراعتها والاتجار فيها. وأسباب تعاطي المخدرات عديدة نذكر منها: ضعف الوازع الديني، وأصدقاء السوء، ووقت الفراغ، ومن أهمّ هذه الأسباب الاعتقاد الخاطئ بأن المخدرات تزيل الشعور بالقلق والاكتئاب والملل، ويعتبر الإهمال الأسري للجوانب التربوية، وكثرة المشاكل الأسرية بما يسهل انحراف الأبناء عاملا أساسيا في القدوم على هذه الآفة التي تفتك بالنفس البشرية. وللمخدرات اضرار اجتماعية وخلقية فهي سبب رئيسي في انهيار المجتمع وضياعه بسبب ضياع اللبنة الأولى للمجتمع وهي ضياع الأسرة، فيسود التوتر والشقاق، وتنتشر الخلافات بين أفرادها، ويمتد خطر تعاطي المخدرات إلى خارج نطاق الأسرة حيث الجيران والأصدقاء، وتتفشى في المجتمع الرذيلة وتنتشر الفحشاء، وتكثر جرائم القتل والسرقة والزنا والاغتصاب وغيرها ويسود المجتمع الخوف وعدم الطمأنينة على المال والأهل والولد. وللمخدرات أضرار اقتصادية حيث أنّها تستنزف ميزانية الأسرة بما يهددها بالفقر والإفلاس، كما أنّها تضر بمصالح الوطن لأنها تؤدي إلى الكسل والخمول وقلة الإنتاج، وكثرة مدمنيها يزيد من أعباء الدولة لرعايتها لهم في المستشفيات والمصحات، وحراستهم في السجون، ومطاردة المهربين ومحاكمتهم. أمّا من الناحية الصحية للفرد فالمخدرات لها تأثير على الجهاز التنفسي حيث يصاب المتعاطي بالنزلات الشعبية والرئوية وكذلك بالدرن الرئوي وانتفاخ الرئة والسرطان الشعبي. وتعاطي المخدرات يزيد من سرعة دقات القلب ويتسبب بالأنيميا الحادة وخفض ضغط الدم، كما تؤثر على كريات الدم البيضاء، ومتعاطي المخدرات يفقد الشهية ويشعر بالتخمة وسوء الهضم، ويصاب المتعاطي للمخدرات بنوبات من الإسهال والإمساك ممّا ينجر عنه قرح المعدية والمعوية ويصاب الجسم بأنواع من السرطان. ولا شيء يعين المرء على تحقيق مآربه إلا بالإيمان فمن تسلح بها نجح ومن سار على الجادة وصل وأن يكون كل قصده هو التقرب إلى الله بترك محرماته، ومزاولة الرياضة بالشكل السليم، والانقطاع عن الأماكن التي اعتاد أن يتناول فيها تلك المواد، وكذلك الأصحاب الذين يتعاطونها، وإشغال وقت الفراغ بما ينفع في الدنيا والآخرة. ومن أهم أسباب الإقلاع عن المخدرات زرع الثقة المتبادلة بين الأهل والأبناء وتوطيد العلاقة القوية بينهم. فالأسرة عماد المجتمع، والأبناء نتاج الأسرة، فإن حسنت تربيتهم وتنشئتهم صلح المجتمع وتقدمت الأمة لذا وجب على الوالدين أن يستلهما ما قررته شريعتنا السمحة في أسلوب تربية الأبناء، وغرس القيم والمبادئ الحميدة في نفوسهم، والاتجاه إلى طاعة الله ورسوله، وهكذا نضمن لهم السلوك القويم والابتعاد عن الانحراف العقيم.