كثرت الاخبار التي تصدمنا كل يوم عن جرائم شنيعة يتسبب فيها المتعاطون للمخدرات فيضرون غيرهم وانفسهم بسبب هذه الآفات التي يتعاطونها والتي تزيد كمياتها وانواعها بشكل مطرد . وهو ما يدفعنا الى فتح ملف المخدرات وموقف الشرع منه وطرق مكافحتها. حرمت الشريعة الإسلامية المُسكِرات والمخدِّرات؛ نظرًا إلى ما فيها من الأضرار الفادحة، والأخطار البادية، وإن الإسلام يَرمِي من خلال تعاليمه النيِّرة، وآدابه الطيبة، إلى الحفاظ على النفسِ، والمال، والعقل، والعِرْضِ، والمُسكِراتُ والمخدِّرات تؤدِّي بصاحبها إلى حِرمانه مما يملِكُ من المال، وإلى إرخاء الستر على العقل، وتعرِّضُه لهَتْك العِرض، والقضاء على النفس. كان مبعثُ النبي الكريم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رحمةً للبشرية جمعاء؛ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]؛ حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يُحِلُّ لهم الطيباتِ، ويحرِّم عليهم الخبائثَ؛ ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157]، وكانت المخدِّرات تعتبرُ في كل زمان مُخزِية لأخلاق الإنسان، وناعية على كلِّ خير وإحسان. ويُمكن تعريف المخدرات بأنّها كلّ مادّةٍ مصنّعةٍ أو غير مصنّعةٍ، تحتوي على مواد تسبّب الهلوسة، أو التنبيه، أو التخدير، وتقود الى الإدمان على تعاطيها، ومنها أنواعٌ عديدةٌ معروفةٌ منذ قديم الزمان؛ كالأفيون والحشيش، إلا أنّها لم تكن معروفةً لدى العرب في الجاهليّة حيث كانوا في معزلٍ عنها، وقد عرفها المسلمون في القرن السابع الهجري؛ وذلك بعد احتلال التتار لبلاد المسلمين، وثمّة العديد من طرق تعاطي المخدّرات؛ فمنها ما يُخلط مع السجائر، والشيشة، ومنها ما يؤخذ عن طريق الحقن في الوريد، ومنها ما يُشمّ عن طريق الأنف، ومنها ما يُتناول عن طريق الفمّ، والحقيقة أنّ المخدرات أمّ الخبائث والمنكرات؛ فلا تجد مصيبةً تحلّ في الدِّين أو الدنيا إلا وللمخدرات طرفٌ فيها، وقد جاءت الشرائع السماويّة كافّةً؛ لحفظ ضروراتٍ خمسٍ؛ وهي: حفظ الدّين، والعقل، والنفس، والعِرض، والمال، بينما تقوم المخدّرات بهدمها؛ فهي تهدم دين المتعاطي وتنقصه، فلا تجده في اجتماعات المسلمين، ولا في أعيادهم، ولا جماعاتهم، ولربّما ينسلخ من الدِّين كلّه في نهاية الأمر، وأمّا بالنسبة للعقل؛ فتهدمه المخدّرات شيئاً فشيئاً إلى أن يجد المتعاطي نفسه في أحد المصحّات العقليّة أو النفسيّة، وأمّا بالنسبة للأنفس فلطالما أُزهقت بأيدي متعاطي المخدرات ومروجيها، وكم من متعاطٍ للمخدّرات مات بسبب جرعةٍ زائدةٍ، أو بسبب مرضٍ عُضالٍ، أو جرّاء حقنةٍ خاطئةٍ في الوريد، وأمّا الأعراض؛ فكم من مدمنٍ قد باع عِرضه من أجل جرعةٍ من ذلك السمّ، وكم من مُتعاطٍ قد اعتدى على أعراض المسلمين وهو تائهٌ في غياهب الهذيان والهلوسة، وأمّا بالنسبة للمال؛ فلا شكّ أنّ المخدّرات ترهق اقتصاد الدول؛ من خلال الإنفاق في مكافحتها وعلاج الأمراض الناتجة عنها، بالإضافة إلى أنّ المتعاطي قد يُنفق كلّ ماله في شراء المخدّرات، حتى وإن ترك أهله في أمسّ الحاجة لأبسط مقومات الحياة. ويُعتبر تدخين الحشيش من المحرّمات، ويرجع السبب في تحريمه إلى أنّها تُذهب العقل، وتُخامره؛ أي تُغطيه، وكلّ ما يُخامر العقل فهو حرامٌ، والدليل على ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (كلُّ مُسكرٍ خمرٌ، وَكُلُّ مسكِرٍ حرامٌ) بالإضافة إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، حيث قال: (بعثني النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنا ومعاذَ بنَ جبلٍ إلى اليمنِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ شرابًا يُصنَعُ بأرضِنا يقال له المِزرُ من الشعيرِ، وشرابٌ يقال له البِتعُ من العسلِ، فقال: كلُّ مسكرٍ حرامٌ)، وما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنّه سمع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (أما بعدُ، أيُّها الناسُ، إنه نَزَل تحريمُ الخمرِ، وهي مِن خمسةٍ: مِن العنبِ والتمرِ والعسلِ والحنطةِ والشعيرِ، والخمرُ ما خامَرَ العقلَ)، ولا شكّ أنّ الحشيش يُخامر العقل ويُذهبه، وقد أكّد على ذلك الإمام النووي رحمه الله، وغيره من العلماء، وبيّن المحقّقون من الفقهاء أنّ الحشيش مُسكرةٌ تسبّب النشوة والطرب؛ فهي كالشراب المُسكر، فيها فساد العقل والمزاج، وفتح باب الشهوة، وقد تورث الدياثة؛ ممّا يجعلها من أسوء المُسكرات، وإن قال البعض: إنّ الحشيش ليست من المُسكرات وإنّما من المُفترات، إلّا أنّ حكم تدخينها يبقى الحرمة -بغض النظر- عن كونها مُسكرةً أو مُفترةً، فقد ثبت في سنن أبي داوود النهي عن كلّ مُسكرٍ ومُفتّرٍ، بالإضافة إلى قول الخطابي رحمه الله الْمُفْتِر كُلّ شَرَاب يُورِث الْفُتُور وَالرَّخْوَة فِي الأَعْضَاء وَالْخَدَرَ فِي الأَطْرَاف وَهُوَ مُقَدِّمَة السُّكْر، وَنَهَى عَنْ شُرْبه لِئَلا يَكُون ذَرِيعَة إِلَى السُّكْر.