تطالعك القناة الوطنية من حين لآخر أو من أسبوع لآخر، بعرض مسرحية، وهو أمر محبذ، ويدخل في إطار دور المرفق العمومي، لكن ما يدعو للحيرة والاستغراب، هو تكرار إعادة المسرحية الكوميدية الناجحة «دار الهناء» للثنائي الرائع جلال الدين السعدي وكوثر الباردي. المشكل في الحقيقة ليس في بث هذا العمل المسرحي، لأنه عمل جيد، ما في ذلك شك، وكثيرا ما أعاد مشاهدته المتفرج التونسي، الباحث بشغف عن البرامج التي فيها ابتسامة تنسيه ولو للحظات مشاغل الحياة وهمومها، لكن الإشكال في التلفزة التونسية نفسها، بتعمد تكرار بث هذه المسرحية في فترات متقاربة. وفي هذا الإطار لسائل أن يتساءل، هل صورت التلفزة التونسية، مسرحيات «دار الهناء» و»الماريشال»، و»عمّار بالزور» وبعض المسرحيات الأخرى فحسب؟ ألم تصور أعمالا مسرحية في القرن 21؟ ثم من يقرر العمل الذي سيعرض على الشاشة؟ أي هل هناك دراسة مسبقة لبث عمل مسرحي معين، أو «كعور وحط للأعور»؟ على ما يبدو، برمجة الأعمال القديمة المسرحية منها أو السهرات الفنية لا يخضع لمقاييس معينة، هو فقط لملء الفراغ ، والفقر الكبير، لتلفزة المرفق العمومي، التي من المفترض أن تكون أثرى القنوات التلفزية برامجيا، باعتبار أن لديها طاقما كبيرا جدا من الإعلاميين والصحفيين والمراسلين، والتقنيين، وباعتبارها أيضا تمتلك أكبر الأستوديوهات وأكثرها عددا، وأكبر وحدات وحافلات البث وأكثرها عددا كذلك. رغم كل ذلك، فإن التلفزة التونسية، هي الأضعف على مستوى البرمجة، مقارنة بقنوات تلفزية حديثة النشأة ولا تتوفر على عشر إمكانيات المرفق العمومي، وكأن عينا أصابتها، فلا هي (التلفزة التونسية) تقوم بدورها التثقيفي، من خلال البرامج المختصة للأطفال، أو البرامج الثقافية الهادفة باستثناء برنامج أو اثنين، وفي المقابل، أصبح المرفق العمومي وخاصة القناة الوطنية الثانية، الأولى في الإعادات. لكأن التلفزة التونسية لم تصور أعمالا مسرحية وسينمائية ووثائقيات، وكأنها أيضا لم تنتج سوى «شوفلي حل»، فلم يعد المشاهد «يفرز» الجزء الأول من الجزء الثاني من الجزء السادس، هكذا يتفرج إن أجبر ليبتسم للحظات ليس إلا... فلم تعد التلفزة التونسية «الدار الكبيرة» ولا «دار الهناء»، ومن يقصدها في برمجتها اليوم لا يقصد للأسف «دار كبيرة». حقيقة، وضع التلفزة التونسية مؤلم، رغم الكفاءات الموجودة بها من إعلاميين وتقنيين، بل ويدعو وضعها على الشفقة، ولم يتغير فيها شيء، إذ مازال التونسي الذي يدفع لها نسبة من ماله في فاتورة الكهرباء والغاز، ينتظر كما في الثمانينات والتسعينات، مسلسلا لشهر رمضان، لم يوجد مثلا في السنة الفارطة، ففسح المجال «لأولاد مفيدة» و»شورّب» ليقتحموا منازل التونسيين وبيوتهم دون استئذان، أليست التلفزة العمومية التونسية بهذا المعنى مشاركة في البذاءة وتدني الذوق والانحطاط القيمي في المجال السمعي البصري في تونس؟