ارتدى رئيس الجمهورية في خطابه الأخير ثوب «رجل السياسة» الذي يفكر في مصلحة تونس والأجيال القادمة، فلم يكتف بلوم بعض خصومه وتقريعهم بل دلهم إلى سبيل الرشد. فهل بدأ خطوته الأولى نحو وثيقة قرطاج الثالثة؟ وهل إنها حل لمشاكل تونس أم لمشاكله؟. تونس الشروق: «تونس تخوض دائما ملاحمها في وحدة صماء» قد يكون في ما قاله رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي في خطابه الأخير محاولة لبعث الأمل والطمأنينة ولكن استعمال عبارات «الوحدة» والوحدة الوطنية» و»الوحدة القومية» خلال مناسبات عديدة من الخطاب ذاته يظهر نية موجهة من الباجي نحو الوحدة. في تونس يخطئ الجميع إلا رئيس الجمهورية من وجهة نظره ففي خطابه الذي ألقاه بمناسبة إحياء ذكرى الإستقلال يجعل نفسه «رجل الدولة (الذي) يفكر في مصلحة الأجيال القادمة» على قوله، فيما يضع الباقين في قائمة السياسيين، و»السياسي مشغول بالانتخابات» وفق إضافته. على أن رجل دولتنا لا يعدد أخطاء الآخرين (النهضة والشاهد بالأساس) ليؤثر في قيمتهم الانتخابية بل ل»استخلاص العبر» ولهذا يمر إلى عرض الحل عبر دعوة جميع الفرقاء إلى الوحدة الوطنية ولكن ما المقصود منها؟. حل سحري؟ الوحدة أو الوحدة الوطنية أو الوحدة القومية هي أن يتخلى الفرقاء عن خلافاتهم وتجاذباتهم ويتخذوا قراراتهم فيما بينهم بالتوافق، لكن هذه العبارات تحيلنا إلى حكومة الوحدة الوطنية التي جربتها تونس بمبادرة من رئيس الجمهورية كان أطلقها صيف 2016. هذه الحكومة التي قادها يوسف الشاهد بنيت على أولويات وثيقة قرطاج الأولى ووجدت الدعم من أغلب الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي، لكن حدث الخلاف لاحقا حول نقطة وحيدة من نقاط وثيقة قرطاج الثانية فتم تعليق العمل بها وتوقف رسميا وصف حكومة الشاهد بحكومة الوحدة الوطنية. بتعليق وثيقة قرطاج 2 تحول نداء تونس من حزب حاكم إلى حزب معارض وخرج اتحاد الشغل من الحزام السياسي وارتفع عدد المعارضين للحكومة واحتد التجاذب بين مدافع عنها ومهاجم ما يعني أن الحل السحري قد يكون في العودة حكومة الوحدة الوطنية عبر العودة إلى وثيقة قرطاج في نسختها الثالثة. غير ممكن لا يمكن تحقيق الوحدة الوحدة الوطنية إلا بتوفير جملة من الشروط أولها استجابة الفرقاء لهذا الحل وثانيهما اقتناع حركة النهضة بضرورة التضحية بحكومة الشاهد لكن هذا يصطدم بجملة من العراقيل أولها قصر المدة التي تفصلنا عن الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، وثانيهما أنّ تخلي النهضة عن حليفها الشاهد لا يكفي لتحقيق الوحدة الوطنية إذ من الممكن أن يعترض حزب تحيا تونس وكتلته النيابية الائتلاف الوطني وقد تلحق به حركة مشروع تونس والمبادرة. قد يكون الحل في جلوس الفرقاء إلى طاولة حوار واحدة يصوغون فيها وثيقة قرطاج الثالثة يتفقون فيها على جملة من المبادئ والأولويات وعلى رأسها إنجاح الانتخابات القادمة مع تحديد برنامج واضح للحكومة لكن هذا لا يكفي إذ لن يقدم الشاهد شيئا لمعارضيه حتى يتحولوا إلى مؤيدين. هذا يعني أن حل الوحدة الوطنية في هذا الوقت لن يقدم شيئا لتونس إلا إذا التزم جميع الفرقاء بالتضحية وتقديم التنازلات دون مقابل وهذا غير ممكن تبعا لما خبرناه فيهم. منفعة مضمونة هناك بالمقابل فائدة مضمونة لرئيس الجمهورية من الوحدة الوطنية سواء تمت صياغة وثيقة قرطاج الثالثة أو تعثر الاتفاق حولها. فقد بدا محركا وحيدا للسياسة التونسية عند نجاح العمل بوثيقة قرطاج الأولى، ثم هوت أسهمه السياسية عند تعليق العمل بوثيقة قرطاج الثانية بما مكن الشاهد من فك قيوده وإعادة التوازن بين رأسي السلطة التنفيذية قبل أن يقلب موازين القوى لصالح رئاسة الحكومة على حساب رئاسة الجمهورية. إنهاء العمل بوثيقة قرطاج الثانية ساعد أيضا حركة النهضة على استعراض قواها على حساب نداء تونس ومؤسسه فتكون منفعة الباجي المطلقة في تجاوز مصدر انكساره واستعادة لجام الشأن السياسي عبر دعوة الفرقاء إلى التوافق حول مشروع وثيقة جديدة. حتى لو لم تستجب جميع الأطراف لهذه الدعوة فإن قايد السبسي يخرج مستفيدا أكثر من البقية لأنه قدم إلينا نفسه في صورة رجل الدولة الذي يوحد أو على الأقل يدعو إلى الوحدة الوطنية من منطلق التفكير في «مصلحة الأجيال القادمة» لكن الصورة التي لمعها لنفسه لا تنفي وجود صورة أخرى: ألا يبدو برؤية مغايرة مثالا ل»السياسي المشغول بالانتخابات»؟. رسالة من مرزوق ..ادعو رئيس الجمهورية إلى الخروج من الباب الكبير قال الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق إنّ رئيس الجمهورية وجّه رسائل خلال خطابه بمناسبة عيد الاستقلال إلى كل من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد . وبين مرزوق في تعليقه على خطاب رئيس الجمهورية إن هذا الأخير أراد إعادة إحياء الجو الذي كان سائدا في وثيقة قرطاج قبل أن تبدأ قصة تغيير الحكومة والنقطة 64 من الوثيقة . وأوضح مرزوق في تصريح اذاعي أن الرئيس بخطابه الاخير فهم أن الصراعات لم تؤد إلى أي نتائج، مشيرا إلى أنه يتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية في الفوضى السياسية. وأشار أمين عام حركة مشروع تونس إلى أنّ الأشهر الماضية شهدت حربا مفتوحة ضد الحكومة مما أدى إلى انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي، متابعا أنّ هذه الحرب داخل الدولة انعكست على تأخر المؤشرات الاقتصادية. وأضاف مرزوق ‹›نأمل أن يعود شاهد العقل إلى رئيس الجمهورية ..ويفهم أنّ الحرب المفتوحة ضد الحكومة لم تُفلح والقصة الأساسية في نداء تونس تسبب فيها حافظ قايد السبسي الذي حظي بدعم من رئيس الجمهورية وهو ما أوصلنا إلى هذه النتيجة›› حسب تعبيره. وأكّد محسن مرزوق في تعليقه على خطاب رئيس الجمهورية أنّ الدخول إلى التاريخ من الأبواب الكبرى يكون بقرارات كبرى أهمها المحافظة على علاقة سليمة مع رئيس الحكومة وتحمل المسؤولية السياسية كاملة في ما آلت إليه الأوضاع ومواصلة الدور التجميعي واتخاذ قرار بخصوص مسألة تواجد ابنه في نداء تونس. وشّدد مرزوق على أنه في صورة عدم اتخاذ رئيس الجمهورية لهذه القرارات فإنهم لن يتركوا البلاد للفقر ولن يتركوا الانتخابات القادمة للنهضة، وإذا أراد رئيس الجمهورية لعب دور مهم في هذا السياق فرمحبا به وإذا لم يرد فنحن ماضون في ذلك›› حسب قوله. استجابة اتحاد الشغل لم يكد رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يدعو إلى الوحدة الوطنية حتى تداعى لها اتحاد الشغل بالتفهم والموافقة وإن وضع لموافقته شروطا وكأن الطرفين متفقان سلفا على هذا الحل. فخلال حضوره موكب الاحتفال بالذكرى 63 لعيد الاستقلال بقصر قرطاج حيث قدم قايد السبسي خطابه ودعوته، أكد أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي أن الاتحاد يدعم «الوحدة الوطنية» إذا كانت مبنية على قناعات وثوابت هدفها الرئيسي انقاذ الاقتصاد الوطني وتحسين حياة المواطن. وقال في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء: «إذا طرح التفكير اليوم في وحدة وطنية على أساس قناعات وثوابت هدفها الرئيسي انقاذ الاقتصاد الوطني، فإن اتحاد الشغل سيكون قوة خير ودعم للتقدم بالبلاد وتحسين حياة المواطن وتكريس المبادئ التي قامت من أجلها الثورة وضحى من أجلها الشباب». فهل تقتدي به بقية الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي؟.