لا يبدو إلى حد اليوم أن مجلس نواب الشعب الذي أسقط قانون التقاعد في ديسمبر المنقضي على وعي بالتداعيات الوخيمة لتأجيل هذا القانون على أدق تفاصيل حياة التونسيين وأساسا وفرة الدواء في الصيدليات والاشتغال الطبيعي للقطاع الصحي العام.. «الشروق» تونس: تداعيات وخيمة قد تطال مستقبل جرايات المتقاعدين الذين يناهز عددهم المليون و100 ألف متقاعد. بل إنّ تواصل تأجيل البت في هذا القانون بالذات قد نقل منظومة الحماية الاجتماعية من أزمة السيولة إلى «تقاتل» بين مكوناتها وخلق تداعيات أخطر في قطاعات حيوية أخرى في مقدمتها النقل العمومي الذي زادت أزمته المالية تفاقما بعد أن فرض عليه صندوق التقاعد عقلة لاستخلاص أمواله وهو ما سيفضي بالضرورة إلى مزيد تدهور خدمات النقل العمومي وللتاريخ فإن المنعرج الخطير الذي تعيشه منظومة الحماية الاجتماعية بدأت منذ 2011 نتيجة إغراق القطاع العام بربع مليون انتداب زائد على الحاجة بما في ذلك فاتورة العفو التشريعي العام وهو ما فرض على المؤسسات العمومية ابتلاع مبالغ المساهمات الاجتماعية بدل تحويلها بانتظام إلى الصندوقين لتتشكل حلقة مفرغة ما فتئت تتوسّع من يوم إلى آخر وكان من أهم تطوراتها فقدان صندوق التأمين على المرض لمبلغ 3400 مليون دينار بين بداية 2016 ونوفمبر 2017. مستشفيات عاجزة وتبعا لذلك ارتبكت تحويلات ال«كنام» إلى المستشفيات العمومية بالصيدلية المركزية وهو ما خلق أزمة دواء في تونس كما جعل المستشفيات تعجز عن توفير أبسط احتياجات المرضى بما في ذلك الضمادات وخيط الرتق لإجراء العمليات الجراحية في قطاع يشهد نحو مليون عملية جراحية كل عام. وحتى قرار التحويل المباشر للمساهمات بعنوان التأمين على المرض من المؤجرين العموميين إلى ال«كنام» منذ نوفمبر 2017 فإنه وإن خفف جزئيا أزمة المستشفيات والصيدلية المركزية فإنه عمق أزمة السيولة التي يواجهها صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية وهو ما خلق مخاوف فعلية حول مستقبل جرايات 370 ألف متقاعد من الوظيفة العمومية سعت الحكومة إلى معالجتها بسياسة مرتجلة عمّقت معضلة قطاعات أخرى مثل النقل العمومي من خلال اقتطاع وزارة المالية جزءا من الدعم العمومي للنقل لتخفيف أزمة صندوق التقاعد الذي يواجه كل شهر نقصا في السيولة يفوق 100 مليون دينار لصرف جرايات المتقاعدين وهي وضعية مرشحة للتفاقم أكثر في خضم الزيادة الجديدة في الجرايات. المساهمات لا تكفي وبالنتيجة فإن منظومة الحماية الاجتماعية مهددة اليوم بالانهيار بسبب المعالجة المرتجلة لأزمة عميقة صنعتها بالأساس التحولات الديمقراطية في ظل تسارع وتيرة تشيخ المجتمع وارتفاع مؤمل الحياة عند الولادة الذي يجعل المتقاعد يستنفد مبالغ المساهمات الاجتماعية في غضون خمس سنوات من الإحالة على التقاعد وهو ما أفضى إلى وجود حالة وفاق بين الأطراف الاجتماعية الثلاثة بأنّ المساهمات الاجتماعية لوحدها لم تعد قادرة على ضمان استدامة المنافع الاجتماعية. لكن هذا الوعي يصطدم منذ أشهر بسلطة تشريعية تتعاطى مع قانون التقاعد الكفيل بتوفير 500 مليون دينار لصندوق التقاعد هذا العام وكأنّها تريد أن تؤبد أزمة منظومة الحماية الاجتماعية ومن ورائها تعميق مسار التخلف الحضاري إذ أن عودة أمراض التخلف وانهيار منظومة التنظيم العائلي وموجة هجرة الأطباء إلى الخارج والقطاع الخاص تعود بالأساس إلى أزمة المال التي تتخبّط فيها مظلة الحماية الاجتماعية منذ سنوات.