يجمع كل الخبراء ان الصناديق الاجتماعية دخلت في حالة «موت سريري» وان انقاذها يتطلب جراة وسرعة قبل ان يصبح معه من المستحيل قابلية تلك المؤسسات الضرورية لحياة التونسيين الى الشفاء وهو ما يهدد ملايين المتقاعدين بالحرمان من الحصول على جراياتهم كما يمنعها من تغطية مصاريف علاج كل المنضوين تحت الصناديق الاجتماعية في وقت كثرت فيه امراض النشيطين والمتقاعدين. تبلغ خسائر الدولة حسب احصائياتها الرسمية جراء تدهور وضعية الصناديق الاجتماعية ما يزيد عن 100 مليون دينار شهريا تدفعها الحكومة في اطار سعيها لانقاذ تلك الصناديق من الافلاس وهو ما يمثل ضغوطا إضافية على المالية العمومية ورغم ان الحكومة اقرت في قانون المالية لسنة 2018 اقتطاعات من الأجور بنسبة 1 % كمساهمات من الاجراء للصناديق الاجتماعية الا ان لا هذا الإجراء ولا مساهمة الحكومة بمبلغ 100 مليون دينار شهريا وفرا السيولة اللازمة لتغطية العجز الرهيب الحاصل في اهم مرفق من مرافق الحياة للتونسيين. الزمن السياسي الرديء رغم كل تلك المصاعب اعتقد بعض التونسيين والاعتقاد في هذا الزمن السياسي التونسي الرديء هو ضرب من الوهم واضغاث الاحلام ان ازمة الصناديق ستوضع على طريق الحل على الاقل في مدى السنوات الخمس القادمة بعد ان تقرر تعديل القانون المنظم للتقاعد والصادر منذ سنة 1985 وهو ما يعني ان ما يزيد عن الثلاثة عقود قد مرت عليه تغيرت فيها الظروف التي حتمت وضعه بتلك الطريقة انذاك وان المنطق والعقل السليم يفرضان تغييره لمواكبة التغيرات الديمغرافية والاجتماعية وايضا الاقتصادية في تونس للظروف الحالية خاصة ان افلاس الصناديق الاجتماعية اكبر دليل على ان ذلك القانون عفا عليه الزمن وتم في اطار ذلك تحديد سن الإحالة للتقاعد ب62 سنة وتحديد سن الإحالة للتقاعد بالنسبة إلى العملة الذين يقومون بأعمال منهكة ومخلة بالصحة ب57 سنة على أن تضبط قائمة هذه الأعمال في أمر حكومي. كما ينص القانون الجديد على الترفيع الاختياري في سن الإحالة على التقاعد بسنة حتى 5 سنوات وإلى حدود 70 سنة للأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 29، فضلا عن الترفيع بنسبة 3 بالمئة في ضريبة الضمان الاجتماعي (2 بالمئة على أصحاب العمل و1 بالمئة على الموظف). واقترح القانون ايضا الترفيع بسنة واحدة، بداية من جانفي 2019، بالنسبة إلى الموظفين الذين ستتم إحالتهم على التقاعد طيلة سنة 2020 والزيادة بسنتين لمن سيحالون على التقاعد طيلة سنة 2020. وكل هذه التنقيحات كانت ستساهم مساهمة فعالة في تغيير اوضاع الصناديق الاجتماعية بما يقي المتقاعدين من الخوف المتواتر شهريا جراء امكانية عجزها عن مدهم بجراياتهم في الاجال المعقولة او حتى بصفة مطلقة اذا ما تركت الازمة دون علاج كما لقي القانون الجديد قبولا من اتحاد الشغل ومن جمعية المتقاعدين بعد ان تم ادخال التعديلات اللازمة على نصوصه الاولى التي لم تنل رضى الاتحاد ولا المتقاعدين ليتم تمريره الى مجلس نواب الشعب في ديسمبر الفارط. الصدمة الرهيبة بعد مناقشته ضمن اللجنة المختصة في البرلمان والمواقفة على ما ورد فيه فصلا فصلا عرض المشروع على جلسة عامة بالبرلمان نهاية السنة الفارطة لتحصل الصدمة الرهيبة التي كاد اثرها وزير الشؤون الاجتماعية يستقيل حيث عند عرضه على التصويت نال موافقة 71 نائبا فقط أي اقل من نائبين فحسب ليتم تمريره وهو ما اصاب الجميع بالحيرة والاستغراب اذ الى هذا الحد وصل الاستهتار بالبلاد والعباد؟ وهل ان صحة المواطن وراحة المتقاعد بعد ان افنى عمره في خدمة البلاد لا تستحق حضور نائبين موافقين للقانون الجديد يوم الجلسة العامة لينال تاشيرة التفعيل لتنطلق عملية الانقاذ لاهم مرفق له علاقة وثيقة بصحة المواطن وقوته بعد التقاعد؟ وكشفت عملية اسقاط القانون الجديد عمق الصراعات الحزبية وعمق الأزمة السياسية في البلاد لان المعارضة استغلت تغيّب نواب عن جلسة المصادقة لرفض تمرير القانون بهدف ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة في خطوة خيّبت آمال أكثر من مليون متقاعد ينتظرون إجراءات حكومية تحسّن أوضاعهم المعيشية كالترفيع في سن التقاعد وزيادات في الأجور. ليسقط القانون صريعا جراء الصراعات السياسية وضحية للوضع السياسي العام بالبلاد المتاثر بالصراع بين راسي السلطة التنفيذية وما تبعه من انشقاق كبير في كتلة نداء تونس وفي الحزب عموما وتشكل اثرها مشروع حزب جديد تابع لرئيس الحكومة تأسس رسميا بعد ازمة رفض القانون بشهرين تقريبا ولاح جليا ان افشال إصلاحات رئيس الحكومة ومن بينها الترفيع في سن التقاعداهم لدى عدة احزاب من صحة المواطن وتوفير الظروف الكريمة له للعيش في راحة بال بعد التقاعد. خسائر مستفحلة يتيح القانون المنظم لعمل البرلمان عرض أي مشروع رفض في جلسة عامة على التصويت بعد ثلاثة اشهر من اسقاطه وها ان مهلة الثلاثة اشهر تنتهي مع نهاية هذا الشهر الذي لم تبق فيه الا ايام معدودة ولا شيء في الافق ينبئ بقرب التوصل الى حل رغم ان مسار الدولة الاقتصادي متعثر ويوحي بالاسوا فقطاع الصحة العمومية صار في «ارذل العمر» ومن يدخل أي مستشفى عليه تلاوة الشهادتين ونفس الامر ينسحب على المدارس العمومية وعلى الادارات وعلى الشركات العمومية وهو ما يعني انه قريبا جدا قد ترفع الحكومة «اجهزة التنفس الاصطناعي» عن الصناديق الاجتماعية مضطرة لانه لن يكون بمقدروها مواصلة دعمها ولن يهتم النواب او بعضهم حتى لا نعمم بهروب «ادمغتنا» الى الخارج وسعي العاطلين عن العمل الى «الحرقة» لانه اما ان يموت جوعا في انتظار عمل لن يتوفر مادام نسب النمو متجمدة تحت الحدود الدنيا المنطقية او ان يموت في البحر واذا تواصل العبث في البرلمان بقوانين حيوية مثل قانون التقاعد الذي لن يصلح فقط الصناديق الاجتماعية بل الواقع الوظيفي في تونس ككل فان اليوم الذي سنشهد فيه انهيار الاقتصاد بلا امل في انقاذه سيكون قريبا جدا.