تطل علينا الذكرى السنوية ليوم الأرض ومأساتها وهما مازالا في ذاكرة الشعب الفلسطيني التي تعود بدايتها الى نشأة الكيان الصهيوني عام 1948، حين أقدم على مصادرة 4 ملايين دونم من الأراضي التي اعتبرها (أملاك الغائبين). كما أصدر مجموعة من القوانين عام 1951 حوّل بموجبها الأراضي الأميرية ومساحتها 18 مليون دونم الى الملكية الاسرائيلية. وأعقبها عام 1961 بإصدار المزيد من القوانين لمصادرة الأراضي لبناء المستوطنات وتمليك الصندوق القومي اليهودي ملايين الدنمات وإقامة المصانع، وبناء معسكرات للجيش الاسرائيلي وتفريغ السكان العرب من مناطقهم وإحلال المهاجرين الصهاينة مكانهم. كما صادر 4 ملايين دونم من أراضي بدو النقب. وقد أصدر عام 1976 قانونا منع بموجبه العرب الفلسطينيين في منطقة الجليل من استخدام أراضيهم أو الدخول اليها بحجة أنها ستستعمل ميدانا للتدريبات العسكرية والرمايات. وتقدر مساحتها ب17 ألف دونم. وقد أعد محافظ اللواء الشمالي الصهيوني (إسرائيل كينغ) وثيقة سرية بتاريخ 01031976 تتضمن تفرغ المنطقة ذات الكثافة السكانية العربية والاستيلاء على أراضيهم بهدف تغيير التركيبة السكانية لهذا الجليل. حيث كان الفلسطينيون يشكلون ٪52 من مجموع السكان عام 1974. وقد أدت هذه السياسة المبرمجة للكيان الصهيوني وتلك المعاناة الى قيام أبناء فلسطين بالرد على هذه الجرائم بعقد مؤتمرين الأول عقدته الفعاليات والوجهاء في قرية سخنين يوم 14021976 والثاني عقدته هيئة مؤتمر الدفاع والحماية عن الأراضي العربية في مدينة الناصرة. وقد نوقش في المؤتمرين الوضع الخطير الناجم عن الإجراءات الصهيونية. وتقرر إعلان إضراب عام سلمي يوم 30031976 وبدأ الاستعداد لذلك اليوم التاريخي. وأصدرت المنظمات الشعبية الطلابية والنقابية العربية في الداخل نداءاتها وتحذيرها من خطورة المخططات الصهيونية لتجريد الشعب الفلسطيني مما تبقى من أرضه. وأهابت بكل القوى ليكون يوم 30 مارس نقطة انطلاق في نضال الجماهير الفلسطينية لإفشال مؤامرة مصادرة الأرض وتهويدها. وقد جاء في النداءات: من لا أرض له... لا وطن له.. الأرض والعرض توأمان. كما ندّدت البيانات بسياسة الكيان الصهيوني. وقد اتخذت سلطات الاحتلال الاحتياطات والإجراءات المشددة لمواجهة انتفاضة الجماهير. ووجهت الإنذار والتهديد الى من سيشارك في الاضراب. وحشدت قواتها في الناصرة وقرى الجليل والمثلث والنقب. كما اتخذ اتحاد عمال الصهاينة (الهستدروت) موقفا مغايرا وذلك في اجتماع عقده بتاريخ 28031976. وطالب العمال العرب بعدم المشاركة في المظاهرات وهددهم بعدم الوقوف الى جانبهم اذا اتخذ أصحاب الأعمال الاسرائيليون إجراءات ضدهم. كما هدد أصحاب الأعمال في اجتماع عقدوه في حيفا بطرد العمال العرب من عملهم. اذ شاركوا في الاضراب والمظاهرات كما وجه مدير عام وزارة الداخلية الصهيوني تحذيرا الى السلطات العربية المحلية ان ساهموا أو أيدوا الإضراب. ومع ذلك فإن كل هذه الاجراءات لم تمنع الفلسطينيين الذين تمرسوا على النضال من تنفيذ إضرابهم وتفجير غضبهم، الا أن القوات الصهيونية قد دفعت بقوات كبيرة الى المدن والقرى العربية فجر يوم 30031976 وفرضت منع التجول. ولكن أبناء فلسطين لم تخفهم تلك الحشود العسكرية ولم يخضعوا للتهديدات ومنع التجول. وتصدوا بصدور عارية وعزيمة لا تلين وإرادة صلبة كي تبقى الأرض فلسطينية معتبرين أن أرضهم هي شرفهم وكرامتهم. وقد فجر الوضع والمواجهات في قرى سخنين، وعرابة ومجد الكروم ونحف وأم الفحم ووادي عارة والطيبة وقرى المثلث والنقب وسقط ستة شهداء وعشرات الجرحى. واعتقل المئات. إن معركة مصادرة الأرض لم تنته فصولها الى يومنا هذا. ولم تقتصر المصادرة على أراضي 48 بل تعدتها الى أراضي الضفة الغربية التي صادر الاحتلال منها نحو ٪42 ليقيم عليها المستوطنات وجدار الفصل العنصري والطرق الالتفافية وتوطين نحو 850 ألف مستوطن صهيوني ليكون هؤلاء لغما موقوتا في أي حل مرتقب للقضية الفلسطينية. إن مخططات الاحتلال لنهب الأرض لم تردعها المواثيق والقرارات الدولية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني. والسؤال المطروح في الساحتين العربية والإسلامية ماذا بقي من الأرض لتقام عليها دولة فلسطين الغد؟ وهل ستبقى الأمتان تصدران البيانات والإدانات دون الفعل الجدي وتقديم الدعم بكل الوسائل لمواجهة خطورة الوضع لقضية فلسطين وإنقاذ ما تبقى من الارض وحماية المقدسات التي تهود أمام أنظارهم وبالأخص المسجد الأقصى..؟ والى متى ستبقى قرارات القمم العربية وقمتها تعقد في تونس في ذكرى يوم الأرض حبيسة الأدراج ومحتجبة عن تلبية نداء فلسطين المصلوبة على خشبة الأطماع الصهيونية والتصدي لمواجهة تحديات نتنياهو وترومب اللذين يشرعان ليهودية الدولة وأن "القدس عاصمة الكيان الصهيوني وأن الاراضي المحتلة في الضفة والجولان هي أراض خاضعة للسيادة الصهيونية"؟.. وماذا بقي من عملية السلام غير الكلام، والتي داستها جنازير بلدوزرات هدم البيوت على ساكنيها وجرف الارض لبناء المزيد من المستوطنات التي اغتالتها بنادق قطعان المستوطنين الحاقدين الذين يلاحقون مع جنود الاحتلال أبناء فلسطين لاغتيالهم واعتقالهم وشن الغارات الصهيونية وقصف المواطنين في قطاع غزة. إن ذكرى يوم الارض سوف تبقى محفورة في ذاكرة الشعب الفلسطيني ومشرعة أبوابها للعطاء والتضحية والصمود... وسوف تبقى ساحتها ميدان صراع ما بين الحق والباطل... حتى تعود الارض الى أصحابها الشرعيين.